كثر الحديث في الأونة الأخيرة عن أزمة التعليم المغربي والإختلالات التي تشوبه. والخلاصات التي آلت إليها هذه النقاشات في مجملها أن التعليم المغربي في أسوء حالاته. والوقوف عند هذه الحالة يحتاج إلى بناء تصور علمي خلاق، إذ أن هذه الإخفاقات لا تتعلق فقط بمنظومة التعليم في جماع حالاتها ، بل لها علاقة أيضا بالمعرفة التي تحملها هذه المنظومة . فوظيفة التعليم لابد أن تأخذ بعين الإعتبار منطلق الثقافة والحياة الاجتماعية في حالاتها الأولى، ضمن عالم جديد تحكمه مبدأ الانتقائية والتحولات المعرفية المتجددة. التعليم هو الأداة التي من خلالها نهتدي إلى المعرفة وممارسة فعل التقدم والرقي بالمجتمع، ومن خلاله أيضا نستطيع التخلص من إكراهات التقليد التي تردح ضمن زمنية الماضي، تلك الزمنية التي تنظر إلى الماضي بمرآة التكرار والمعاودة، عوض الدينامية والتطور، ولكي يخلق التعليم زمنيته، أعني زمنية التطور والنمو الفكري والعقلاني لابد من سيرورة تراكم معرفي خلاق يستجيب للزمنية المعاشة. إن المعرفة المحلية والآنية لا تشكل الأساس فقط ضمن نظام تعليمي حديث فحسب إنه، بالإضافة إلى ذلك، الأداة التي من خلالها يتخذ فكر المتعلم شكلا من أشكال التلاؤم مع واقعه وفهمه وإدراكه. فنحن لا نستطيع أن نتعرف على ما يوجد في العالم الخارجي، إلا من خلال ما نكتسبه من معرفة داخل الفصل، التي تسهل عملية الاستبصار برؤية علمية. وتبقى مقررات اللغة العربية في المستويات الاعدادي والثانوي المعتمدة في النظام التعليمي المغربي خارج هذا الإطار في التأثير على ذاكرة المتعلم، الذي يعيش صراعا، إلى حد التناقض، مع ما يكتسبه من معرفة داخل فضاء المدرسة وما يعيشه ضمن واقعه الاجتماعي. ولذلك فإن شحن هذه المقررات بالمعرفة بالرغم من منابع تصورها ، لابد أن تخضع لعملية التكيف والتحوير، وتستوعب ما يهتز به المحيط الاجتماعي الخاص، لكي يتخلص المتعلم من ظرفية الإمتلاء المعرفي إلى بلورة معرفة دينامية إجتماعية وثقافية آنية محاكية للواقع الاجتماعي وقريبة منه . حينها ستطفو إلى سطح المتعلم علاقات جديدة ضمن روابط ينسجها بين ما يتلقاه في الفصل وما يعيشه في عالمه الخارجي. وهذه العلاقات نتاج " مبدأ التلاؤم" بين المعطى التعليمي والمحيط الإجتماعي المعاش، وبالتالي تصبح المعرفة التي يكتسبها المتعلم حرفة يمارسها عن قرب بأدوات علمية مقننة تحكم السير الثابت لفعالية التعليم، وقادرة على الإستجابة لمتطلباته. في هذه الحالة يتحول المجتمع إلى قياس درجة التقويم الاجمالي ودرجات تحقق أهداف التعلم. إن ما نعيشه اليوم هو أزمة فراغ معرفي جديد، فالمنظومة التعليمية وما تحويه من معرفة بعيدة كل البعد عن الممارسة الاجتماعية التي يعيشها المتعلم. لذلك تتحول المدرسة، من هذا المفهوم، إلى امتلاء معرفي لا يجعل من الحياة اليومية مجالا لأجرأتها، مما يجعل الفرد المتعلم يعيش انفصاما، سرعان ما يتحول إلى حالة غضب يتم تفريغه بشكل هستيري، وأكبر دليل على ذلك ما تعرفه الملاعب الرياضية من غليان وشغب، أبطاله صغار السن يتعلمون في المدارس. ولذلك فإن المتعلم يعيش واقعا مختلفا عن ذاك الذي يحيا داخله في القسم، وبعبارة أوضح يعيش داخل كون تؤتثه العولمة بأحدث تقنياتها ومثير تعلمي تعليمي ، تنتج عنه استجابة معقدة وغريبة، مما يضطر إلى خلق سيرورة أخرى للتعاطي مع وجوده غير مقننة وتلك طامة كبرى. وبناء عليه، لابد من تزويد مضمون المقررات بمعرفة آنية وعصرية محلية، تستجيب لمحيط المتعلم وأفق تصوره، وتسهل عليه عملية الاندماج والتوافق الاجتماعي، ثم الاعتناء باللغة التي تتم بها العملية التعليمية أعني اللغة العربية، وفق منطق خاص في التقطيع المفهومي، تتحقق ضمنه تربية اجتماعية ثقافية تتميز برؤية ومخيال خاص "أمومي"، فالمتعلم يكتشف العالم المحيط به من خلال سلسلة من الروابط منها المادة التعليمية واللغة المستعملة، فإذا تحولت هذه العناصر إلى منبهات واعية، فإنها تضبط النظام السلوكي ، وأشكال تحققات التقدم داخل المجتمع، "فالطريقة التي يدرك من خلالها الإنسان عالمه الخارجي مبرمجة في اللغة وشبيهة في ذلك بطريقة اشتغال الحاسوب، فالذهن البشري مثله في ذلك مثل الحاسوب يسجل ويبنين الواقع الخارجي في انسجام تام مع البرنامج المعد لذلك". هذه الملاحظات أملتها علينا مقررات اللغة العربية المبرمجة في السلكين الإعدادي والثانوي، التي تعاني فقرا في النصوص المغربية وتفتقد إلى رؤية منسجمة مع الواقع المغربي، بالرغم من المجهودات التي بدلت في هذا الموضوع. وبالرغم من وجود كتاب مغاربة أغنوا الساحة الأدبية بإنتاجاتهم في أجناس أدبية ونقدية مختلفة: كالرواية والمسرح والقصة والشعر..