تحت عنوان ًمتى يصدر المجلس العلمي الأعلى فتوى بخصوص المرتد عن جنسه وهويته؟ً نشرت جريدة هسبريس في عددها الصادر يوم 29 أبريل 2013 مقالا للمتطرف الأمازيغي المعروف محمد بودهان، يطالب فيه، بما لا لبس فيه، الدولة بقتل كل من يرتد عن أمازيغيته ويعتبر نفسه عربيا ويصر على عروبته والاعتزاز بها. وهي رسالة مشفرة لكل أتباعه ومريديه ببدء حملة تطهير عرقي واسعة النطاق لعرب المغرب إسوة بما وقع بين الهوتو والتوتسي، واللجوء إلى العنف والتعرض لممتلكات ومؤسسات الدولة وكل الهيآت التي ترمز إلى عروبة المغرب. لقد أصبنا بالصدمة والذهول لهذا العنف الهوياتي غير المسبوق وهذه الدعوة الصريحة المحمومة لحرب أهلية مدمرة تأتي على الأخضر واليابس حتى تمزيغ المغرب وتحويله إلى مملكة تامزغا العظمى وإرجاعه إلى عصر الكاهنة وماسينيسا. كما نستغرب كيف يسمح موقع هسبريس الذي يدعي المصداقية واحترام أخلاقيات المهنة والمعايير الدولية في الإعلام النزيه، لنفسه بنشر هكذا مقالات عنصرية تحرض على العنف والقتل، لكاتب اعتاد على الغوص في الماء العكر وفي مستنقع العرقية المقيتة. إننا نتساءل عن صمت الحقوقي والمثقف اليساري ًالحداثي المتنورً الباحث عن القضايا بعد إغلاق معتقل تازمامارت. فهؤلاء انضموا إلى جوقة المطبلين الداعمين لرموز حركة أمازيغية فاشية بدعوى محاربة الاستبداد والحرية المطلقة في التعبير واجتياز كل الخطوط الحمراء. وهم استغلوا اتهام سلفي لأحد أكبر دعاة الفتن بالكفر ليأولوا القصة على مقاسهم ويضخموها ويستغلوها لتصفية حسابات قديمة. وهم لم يترددوا لحظة في وضع يدهم في يد شخص معاق فكريا يمتهن الإقصاء والاستئصال والإرهاب الفكري مع من يخالفه الرأي، ويصدح بأعلى صوته بعدم وجود مكون عربي في المغرب ولا بثقافة عربية. والكل، حجرا وبشرا وشجرا ولغة وتقاليد ووو ملك أمازيغي خالص لا علاقة ولا دخل للعرب به. وكم أضحكني أن ينعته أحد مثقفي اليسار بالمفكر الحداثي المتنور، بينما لا يتعدى مستواه شهادة الإجازة في الفلسفة. وهل من المعقول أن نضعه في كفتي ميزان إلى جانب مفكرين كبار كالجابري والحبابي والمنجرة. أم أننا نعيش نهاية المفكر. وهل الحداثة تعني بالضرورة ضرب الإسلام ووصف رسالته بالإرهابية واعتبار كل ما جاء به أشياء قديمة تجاوزها الزمن وتتناقض مع العصر. وفي الوقت ذاته يأخذهم الحنين والشوق إلى ماسينيسا والكاهنة ورسوم غابرة ماتت وأصبحت هشيما تذروها الرياح. إنه قمة التناقض والإفلاس الفكري والسقوط الأخلاقي المدوي للمثقف اليساري في عصيدة سيحرق نفسه بها. وهو لم تعد تهمه الوحدة الوطنية وتعزيز التآلف بين كل المكونات الثقافية ومحاربة الطائفية والعرقية ولا حتى الدفاع عن العمال والفلاحين ومناهضة الفساد والتبعية والاستبداد، بقدر ما أصبح منشغلا بالملاسنات الفكرية وانتظار هفوات الإسلاميين والسلفيين للرد عليها. إن المتابع لكتابات بودهان سيلاحظ أن استفزازاته أخذت منحى تصاعديا على مر الأيام. فمن الطعن في اللغة العربية وتحقيرها إلى تبخيس كل ما هو عربي في المغرب وإلغاء كلي للمكون العربي وإسهاماته وإبداعاته، إلى الدفاع حد الهوس عن نظرية الأرض التي تجعل من كل شيء في المغرب ملكا خاصا للأمازيغ، إلى مقالاته العديدة البعيدة عن أي تحليل لساني أكاديمي لمحاولة إثبات أمازيغية العامية المغربية والدعوة إلى دسترتها إلى جانب الأمازيغية عوض العربية الفصيحة. وها هو اليوم يقطع مرحلة جديدة سيكون لها ما بعدها وبإمكانها أن تأسس لبداية حرب أهلية طويلة الأمد. فالكثير من الشباب الأمازيغي المتطرف بات اليوم يلتقط الإشارات ويفك الرسائل المشفرة والرموز التي يصدرها زعماؤه. ونحن لن نستغرب ظهور جماعات أمازيغية مسلحة في الريف وفي سوس تتعرض لممتلكات العرب وتغير على القرى والبلدات العربية وتحرق وتقتل كل من فيها. كما لن نستغرب ردة فعل العرب في المدن الكبرى وفي جبالة ودكالة والشياظمة وملوية وغيرها من القبائل العربية في المغرب الذين سيضطرون للدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل. فلقد طفح الكيل وهم ليسوا على استعداد لتقبل المزيد من الاستفزازات والإهانات في حق لغتهم وثقافتهم ووجودهم وهويتهم. وهم يعتبرون أنفسهم عربا بالانتماء الحضاري لا العرقي العنصري ولا أحد من حقه أن يصفهم بالمستعربين أو بالأمازيغ المعربين. وهم لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالثقافة الأمازيغية التي نحترمها ونحترم إبداعاتها وكل الناطقين بلهجاتها، لا لأنها إرث لكل المغاربة ولكن لأنها ثقافة فئة من المواطنين نتقاسم معهم نفس المصير ونفس الوطن. لسنا من دعاة الاصطفاف الطائفي وسنظل حريصين على وحدة المغرب والمغاربة بكل مكوناتهم الثقافية، تحت سقف لغة عربية جامعة وانتماء عربي إسلامي. إلا أننا لن نسمح لدعاة الفتن بإحياء النعرات القبلية وبث سموم الحقد والكراهية في أوساط شبابه. إننا ندعو وزير الإعلام والاتصال إلى تقنين قطاع المواقع الإلكترونية التي أصبحت في تزايد مطرد، وحثها على الالتزام بأخلاقيات المهنة. فارتفاع عددها شيء محمود نصفق له لكونه عنوانا لحركية المجتمع وتعدد أيديولوجياته. ولكن، ليس من الواقع أبدا أن يسمح موقع له شعبيته ورواده الكثر بنشر مقالات لكتاب حاقدين من طينة بودهان ينفثون سمومهم ويدعون علانية إلى العنف والعنصرية ضد المكون العربي وثقافته. نحن لسنا من مكممي الأفواه ونؤمن بالحوار والنقاش البناء ونبذ العنف وحرية التعبير لكل التيارات الفكرية والثقافية. إلا أن الحرية لا يمكن أن تكون مطلقة وإلا تحولت إلى فوضى. وهناك ثوابت في كل الدول، وحتى المتقدمة منها، وخطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها. فأوروبا لا تسمح لأي كان بالمساس بعلمانية الدولة والمجتمع، أو بالمطالبة بإعادة النظر في قراءة المحرقة اليهودية أو حتى التعرض للصهيونية التي اعتبروها معاداة للسامية. كما أن هذه الدول تسن قوانين باستمرار لتجريم العنصرية والعرقية في الإعلام والمجتمع ومعاقبة كل من يدعو للحقد والكراهية. والمغرب مدعو لوضع ضوابط أخلاقية تعاقب كل من يمس بثوابت المغرب ويسيء للإسلام ولنبيه ويدعو إلى العنصرية والعنف وبث الأحقاد بين مكوناته ويرفع شعارات وأعلام عرقية. أخيرا، ولكي لا تلتبس الأمور عند القارئ، فأنا لست إسلاميا ولا سلفيا وإنما قومي عربي يؤمن بالعروبة والإسلام كركيزتين للمجتمع المغربي الغني بكل روافده وثقافاته التي نعتبرها جزء من حضارة عربية إسلامية جامعة بلسان عربي مبين. وأنا أدعو كل الإخوة القوميين العرب في المغرب إلى توحيد الصفوف والتأسيس لقطب قومي عربي فعال ومؤثر يتحالف مع كل القوى الوطنية في مواجهة قوى التمزيغ التي ترفض حتى فكرة وجود عرب بثقافتهم وعاداتهم الخاصة. إننا أمام تحديات كبرى بين أن نكون أو لا نكون.