أسوأ ما في نظام الكبرانات المجرم، هو أن أجنحته التي دأبت على أن تتصارع فيما بينها على السلطة، على مدى عقود، كلما تناحرت فيما بينها على كرسي الحكم؛ لم يفز به إلا الأسوأ والأرعن، والأقدر على ارتكاب الجرائم والفظائع، دون أن يؤنبها ضمير أو يرف له جفن؛ هكذا ساء حكام الجزائر الواحد تِلو الآخر، وتزايد مستوى انحطاطهم وسفالتهم وقذارتهم التي أزكمت أنوف الجميع؛ وهكذا وصل بهم الأمر إلى جمع حثالة من قطاع الطرق من أجل أن يؤسسوا بذرة انفصال جديدة في حق المملكة المغربية الشريفة، بعدما تيقنوا من أن شجرة انفصال "الشعب الصحراوي الفنكوشي" قد ذبلت من غير رجعة؛ على الرغم من أن نظام الكبرانات قد رعوها نصف قرن أو يزيد، وأسقوها سوائل النفط والغاز حتى جفَّت آبارُهم وخُرِّبت ديارُهم. كنت فيما مضى أعتقد أن سلوكيات هذا النظام لا يفسرها علم السياسة والقانون الدولي؛ بل يفسرها علم النفس؛ إلا أنني فطنت مؤخرا إلى أن علم النفس بدوره عاجز عن تفسير ذلك الكم الهائل من الانحرافات السلوكية الخطيرة، والشذوذ الذي لم يترك عيبا أو نقيصة أو مذمة إلا وأخذ منها نصيبا غير يسير. أعتقد أن علم الوراثة وحده من يفسر هذه الأحجية الغامضة، ويفك طلاسم هذا اللغز العويص؛ فالحنق الذي تشبَّع به العثمانيون اتجاه المغاربة الأحرار بعدما عجزت أقدامهم عن أن تطأ أرض المغرب، طعن كبرياء الأتراك في الصميم، وخدش كرامتهم مثلما لم يخدشها أحد من قبل، فامتلأت قلوبُهم بالحقد الأعمى، وعجَّت نفوسُهم بالضغينة السوداء على كل ما هو مغربي أصيل؛ فأورثوا غِلَّهم هذا إلى "الكراغلة" عديمي الهوية ومسلوبي الإرادة؛ مثلما أورثوهم رمز الهلال المرسوم في أعلامهم؛ والعجيب في الأمر، أن الجزائريين أضافوا إلى حقد الأتراك حقد الفرنسيين الذين وقف لهم المغاربة شوكة في حلوقهم؛ فاختلطت في نفوس "الكراغلة" الأحقاد. لقد بات واضحا أن كره الجزائريين لكل ما يمت للمغرب بصلة، أصالة وتاريخا وحضارة، مكتوب في جيناتهم وليس في مكان آخر، وأنه حتى على افتراض أن يندثر قياديو الجزائر الحاليون ويستلم القيادة بعدهم أناس أسوياء، فعلينا أن ننتظر جيلا كاملا أو جيلين؛ كي يتعافى هؤلاء المرضى النفسانيون مما جُبلت عليه نفوسهم وطبعت قلوبهم عليه.