أينما وليت وجهك اليوم في حوائط الفيس بوك و تغريدات التويتر و مدونات الشباب الطائش من فلذات أكبادنا, الذين فقدنا السيطرة عليهم نتاج تهاوننا في تربيتهم ,إلا ووجدت الشعب الشبابي يطالب بالحسناوات السويديات مقابل " المسطاشات المغربيات" في إشارة متدنية إلى نساء المغرب , في استمرار لتدني احتقار الذات و جلدها, لكن هذا السلوك قد نعتبره نشازا من شباب لم تختمر تجربته في الحياة بعد, و لم يصطدم بعد بقسوة الحياة و مشاكلها, و لا يزال يفكر في اللهو و التفكه, غير أن المشكل يصبح اعقد حينما ينخرط مسؤول كبير إلى هذه الحملة الشبابية بطريقة أخرى, ففي تصرف غريب أهان السيد وزير التربية الوطنية المغربي محمد الوفا موظفة في القطاع المشرف عليه حينما قدم على تقييم عملها أمام المتعلمين الذين يتخذونها قدوة و مثلا ,بوضع صفرين أمام جملة دونتها على السبورة ,بدعوى الخط الرديء تارة او بدعوى الأخطاء اللغوية تارة أخرى, بل قام ببعث لجنة تفتيش لهذه العديمة الكفاءة في نظره كأنه يريد أن يطردها او يطرد أمثالها. قد يبدو الأمر عاديا من لدن غير المتتبعين و العارفين بالحقل التربوي, أستاذة تفتقر للكفاءة وجب معاقبتها في دواليب وزارة لا تؤمن إلا بالمقاربة الأمنية, كباقي الوزارات, و كأن الكل تابع لوزارة الداخلية, إن لم يكن الأمر كذلك فعلا, لكننا إذا ولجنا دواليب القطاع فإننا سنجد الأمر غير ذلك تماما, و أن عدم كفاءة الأستاذة ,إن كان حقا ,وجب أن يعلق في رقبة أشخاص آخرين و أن نصيب الأستاذة قد يكون ضئيلا مقارنة مع نصيب بقية المسؤولين عن القطاع, لكن الأستاذة طبعا ستكون الخروف الذي سيقدم أضحية لإخفاء تقصير المسؤولين الكبار في القطاع. يعاني بناء قطاع التربية الوطنية من تصدعات و تشققات في جسمه تكاد تهدمه على رؤوسنا جميعا, رغم سياسة الترقيع التي اعتمدتها الوزارات المتلاحقة و تعتمدها إلى الآن, و إذا كنا بصدد التحدث عن عدم كفاءة الأساتذة فإننا سنتجاوز مشكلة البنى التحتية المهترئة, أقصد الغير موجودة, و مشكلة الميزانية المنهوبة في مختلف دركات السلم الإداري في القطاع, و مشكلة الإكتضاض, و مشكلة البيداغوجيات المستوردة التي لا تتوافق مع الخصوصيات المحلية و مشاكل لا حصر لها و سأركز عن مشكلة عدم الكفاءة و أسبابها التي تتجاوز الأستاذة إلى ما دونها. يلج المدرس مركز التكوين في الابتدائي بشهادة الباكالوريا التي استبدلت ب"الدوگ" ثم الإجازة دون النظر إلى تخصصها ,حيث يصبح المجاز في الفيزياء او الرياضيات او العربية او الفرنسية أو السانسكريتية حتى, أستاذ تعليم ابتدائي ليدرس كل شيء, نعم كل شيء, العربية الفرنسية الاجتماعيات العلوم الرياضة الفرنسية و غيرها من المواد و كأنه "سوبر معلم" الذي وجب أن يكون جهبذا و عبقريا, بل انه يدرس المستويات جميعها و ليس متخصصا في مستوى دون الآخر بل قد يجمع أكثر من مستوى في فصل واحد, بل انه قد يجمعهم جميعا في قسم واحد, ليس "قد" بل إن القسم المشترك هو الأمر الغالب في بلادنا على المدرسة العمومية. في الإعدادي و الثانوي لا يختلف الأمر كثيرا إذ نجد المجاز في الجغرافيا يدرس التاريخ و الجغرافيا, و المجاز في التاريخ يدرس المادتين أيضا و المجاز في العربية يدرس التربية الإسلامية و المجاز في الجيولوجيا يدرس العلوم هذا بخصوص الأساتذة الإطار أما إذا انتقلنا الى الأساتذة المكلفين فحدث عن البحر و لا حرج اذ اننا نجد النقابات في تواطؤ مع النيابات الاقليمية و الأكاديميات يعينون أيا كان في أي مادة كانت سواء كانوا مجازين آم لا, ثم ان ولوج مراكز التكوين لمختلف الأسلاك يردها المستحق و المتسلق, أضف الى مستوى التكوين المهترئ الذي لا يستجيب الى أدنى متطلبات المهنة, اذ التكوين في واد و الواقع التربوي في بحر مائج هائج آخر, و حتى في التعليم العالي نجد أستاذ تخصص يدرس في تخصص ىخر لا علاقة له به. يتخرج المدرس من مركز التكوين و تتوالى عليه السنون دون تكوين مستمر يجعله يصبح تلميذا مجتهدا فقط ,ليتحول بعد ذلك نظرا لتطور مستوى التلاميذ الى تلميذ كسول, و أما اذا أراد المدرس تكوين نفسه بنفسه ,فان أبواب الكليات ستكون موصدة في وجهه بقرار وزاري. أضف إلى كل هذا التهميش الذي لحق برجل التعليم منذ سنوات أصبح منبوذا خلالها من طرف المجتمع و رمزا سيئا للمتعلمين و لم يعد يحظى بتلك القيمة الاجتماعية التي كان عليها, و هذا بفعل السياسات المتوالية لتهميش قطاع غير منتج في نظر الأوصياء على القطاع و الذين يقدرون الاستثمار في الحجر و يستصغرون الاستثمار في البشر. طبعا فان تدني مستوى رجال و نساء التعليم مسؤولية مشتركة نتحملها جميعا, و للمدرس نصيب منها, لكن هذا لا يجب أن يجعلنا نجعله كبش فداء لرقاب وجب أن تطير, و على أي حال فالمستوى عام و لو أردنا أن نقدم أضاحي بناء على المستوى العام لرجال و نساء التعليم فإننا سنكون مجبرين على ذبح كل رجال التعليم, لنبحث عن آخرين من السويد ربما بعدما أصبح الكل يحلم بسوددة المجتمع, و حتى إن حصل فإنني لا أظن أن الأمر سيحل إذ أن أعشاب البلاد لا تصلح إلا لأبناء البلاد. أخيرا نحن بحاجة إلى مسؤولين مواطنين يبحثون عن حلول لمشاكل لا عن حلول لأشخاص , لأن تغيير الأشخاص لن يحل مشكلا , الا إن كان هؤلاء الأشخاص يتحملون مسؤوليات عظمى كالموظفين السامين و الوزراء الذين يضعون السياسات و القرارات الكبرى, أما الطبقة الدنيا من موظفي القطاع العام أو الخاص الذين ينفذون الأوامر فليس تغيير احدهم او بعضهم حلا.