يلعب العقار دورا محوريا في تحقيق التنمية المستدامة في شتى تجلياتها وأبهى حللها، باعتباره الأرضية الخصبة التي تنبني عليها السياسات العمومية للدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وذلك من خلال توفير الوعاء العقاري اللازم لإنجاز البنيات التحتية الأساسية والمرافق العمومية،وتوفير السكن المتنوع الذي يستجيب لحاجيات مختلف فئات وشرائح المجتمع، فضلا عن دعم الاستثمار المنتج. ويعد العقار كذلك أداة لتحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعيين،فإيلاء النظام العقاري العناية اللازمة من خلال خلق برنامج الدعم المباشر للسكن سيشكل لا محالة محركا هاما وفعالا للتنمية وأداة لتشجيع الاستثمار والمنافسة،بحيث أعلنت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بموجب المرسوم رقم 2.23.350 القاضي بتحديد أشكال إعانة الدولة لدعم السكن وكيفيات منحها لفائدة مقتني مساكن مخصصة للسكن الرئيسي مجموعة من الشروط التي ينبغي توفرها في الأشخاص الراغبين الاستفادة من هذا البرنامج الحكومي تطبيقا للمادة 8 من قانون المالية رقم 50.22 لسنة 2023،وتنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس في إطار تعزيز قدرة المواطنين على الولوج إلى سكن لائق والتقليص من العجز السكني إلى جانب محاربة السكن غير اللائق وتحسين المستوى المعيشي للأسر وتيسير الولوج للسكن الذي يطمح كل فرد من أفراد المجتمع امتلاكه،لكون الإنسان يرتبط بالعقار ارتباطا وثيقا منذ ولادته وإلى ما بعد وفاته،مصداقا لقوله تعالى: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" ،وبناءا على ما سلف ونظرا لما للعقار من أهمية يمكننا طرح التساؤل الآتي : ما هي السبل التي من شأنها ضمان نجاح هذا المشروع ؟ لا شك أن توفير تشريع عقاري فعال ومتكامل سيساهم في استقرار الملكية العقارية وتثبيتها على أسس سليمة وتسهيل تداولها،وهو ما سيشجع عمليات البناء والتجزئة والتعمير، فيصبح أداة محورية في مسار التنمية ورافعة أساسية لجلب الاستثمارات،فالمشاريع الكبرى لا يمكن إنجازها دون التوفر على ترسانة قانونية قادرة على تجاوز الاختلالات التي قد تحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة من خلق هذا الورش،مما يستدعي وضع آليات عملية وإجرائية لضبط السوق العقارية تحقيقا لأهداف وغايات الحكامة العقارية التي تتوقف على المراقبة والمحاسبة. وبرجوعنا إلى المرسوم رقم 2.23.350 القاضي بتحديد أشكال إعانة الدولة لدعم السكن والذي جاء مقسما إلى أربعة أبواب تخللتها ثمانية مواد تهم مجموعة من الأحكام تنص على أن " الإعانة المالية المباشرة الممنوحة للمستفيدين ستوجه لاقتناء سكن رئيسي،وتحديد أشكال الإعانة مع تحديد المستفيدين منها بحسب قيمة بيع المسكن موضوع الإعانة المالية،مع التنصيص على مبالغ الإعانة التي تتفاوت تبعا لقيمة بيع المسكن،الشيء الذي أثار انتباهنا بحيث لاحظنا غياب تام لأية إجراءات أو تدابير تتصل بزجر المتلاعبين بالأهداف التي يرمي المشروع تحقيقها،خاصة أن المنعشين العقاريين سيجدون ضالتهم في ظل هذا القصور الذي اعترى المرسوم المتعلق بدعم السكن،لأن الواقع اظهر أن قطاع العقار من القطاعات التي يغلب عليها الطابع العشوائي " اللوبي العقاري" بحيث تظهر بعض المعاملات التي تؤثر أو من شأنها التأثير على الأهداف المنتظرة،من قبيل الرفع من قيمة العقار مستندين في ذلك لقانون حرية الأسعار والمنافسة الذي يشجع على المنافسة ويسمح بتحديد أثمنة البيع التي تناسبهم دون رقيب أو حسيب ضاربين القدرة الشرائية للمستهلك عرض الحائط،مما سيفتح الباب على مصراعيه بين مؤيدين ومعارضين لهذا الورش،بحيث أن عدم تقييد المنعشين العقاريين بشروط معينة سيفتح لهم الباب لرفع أثمنة البيع نظرا لارتفاع الطلب على السكن من أجل الاستفادة من الدعم الذي تم نهجه من قبل الدولة. وهذا ما يجعلنا نتساءل عن الضمانات الحمائية التي يمكن الاعتماد عليها من أجل الحد من المضاربات في الأسعار ومنع العقود الصورية "النوار" من قبل المنعشين العقاريين باعتبارهم المستفيدين من هذا الدعم بطريقة غير مباشرة،نتيجة الطلب المتزايد على السكن. وفي اعتقادنا يظل نجاح هذا الورش رهين بخلق ترسانة قانونية كفيلة بمنع بل وزجر كل مضاربة،باعتبارها جريمة بكل المقاييس تمس حق الملكية التي يضمنها الدستور والمواثيق الدولية وقبلها الشريعة الإسلامية،لأن التلاعب بالأسعار أو الاستغلال التعسفي لوضع مهيمن أو استغلال ضعف وجهل الراغبين في اقتناء السكن لا يتماشى مع روح النصوص القانونية ولا يحقق الغايات والأهداف التي ترمي التشريعات الاستهلاكية تحقيقها وبالتالي عدم نجاح الأهداف المنتظرة من برنامج دعم السكن .