بيّن السعي لقيام أسواق أكثر انفتاحاً والحد من الممارسات غير القانونية، تكشف المفوضية الأوروبية الثلاثاء مشاريعها لتنظيم القطاع الرقمي في نصوص تلقى ترقباً شديداً ويفترض أن تقلص هيمنة الشركات الأمريكية العملاقة مثل غوغل وفيس بوك. وقبل إقرار هذه التنظيمات الجديدة، ستجري مناقشتها على مدى حوالى ثلاث سنوات بين الدول الأعضاء ال27 والبرلمان الأوروبي والشركات المعنية والمنظمات غير الحكومية. ومن المتوقع أن تشهد هذه المناقشات مبارزات واختبارات قوة ولا سيما بين بروكسل وواشنطن التي حرصت في عهد دونالد ترامب على حماية مجموعاتها الرائدة. غير أن الضغوط تتصاعد كذلك في الولاياتالمتحدة حيث أطلقت إجراءات ضد غوغل وفيس بوك لاتهامهما باستغلال موقعهما المهيمن في محركات البحث وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. وأعلنت نائبة رئيسة المفوضية مارغريتي فيستاغر ومفوض السوق الداخلية تييري بروتون في مقال مشترك نشر هذا الأسبوع "حان الوقت لننظم نحن الأوروبيون عالمنا الرقمي". ومع انتشار ممارسات جديدة في العالم مثل العمل عن بعد وتنظيم المؤتمرات عبر الفيديو والتسوق على الإنترنت ومتابعة الدروس إلكترونياً، سرّع تفشي وباء كورونا الانتقال الرقمي. غير أن هذه الخدمات الجديدة التي لم يعد بوسع الأوروبيين الاستغناء عنها، تتسبب كذلك بانحرافات وتجاوزات، مثل بث خطاب الكراهية على نطاق واسع والتضليل الإعلامي والقضاء على المتاجر الصغيرة وتجمع الشركات العملاقة في تكتلات تقضي على المنافسة. وبعد أشهر من المناقشات والأبحاث، قررت السلطة التنفيذية الأوروبية اقتراح قانونين متكاملين لسد الثغرات القانونية التي تستغلها الشركات. والنص الأول هو "قانون الخدمات الرقمية" الذي يفترض أن يتوجه إلى حس المسؤولية لدى جميع الوسطاء على الإنترنت ويفرض عليهم واجبات حيال المحتويات التي يستضيفونها. وهذا القانون هو نسخة محدثة للتوجيهات الخاصة بالتجارة الإلكترونية التي وضعت قبل عشرين عاماً حين كانت المنصات العملاقة الحالية مجرد شركات ناشئة أو لم تكن حتى ولدت بعد. وكانت هذه التوجيهات تمنحها حصانة ضد أي عقوبات أو محاسبة إذ تتيح لها الاحتماء خلف وضع موقع مستضيف. والنص الثاني هو "قانون السوق الرقمية" الذي سيفرض قيوداً تنطبق فقط على الجهات المهيمنة التي يشكل نفوذها خطراً على لعبة المنافسة الحرة. وسيحدد هذا القانون المعايير التي تحكم عمل هذه المنصات العملاقة المسيطرة على القسم الأكبر من القطاع الإلكتروني. وتنوي المفوضية الأوروبية من خلال فرض القيود والواجبات ولا سيما بشأن شفافية الخوارزميات واستخدام البيانات الشخصية وتوافق المنتجات المتنافسة، التحرك استباقياً لضمان حسن عمل الأسواق، مع وضع قواعد واضحة وعقوبات قبل وقوع تجاوزات. وبذلك تستخلص بروكسل العبر من عجزها، مقرة بأن آلياتها الطويلة والمتأخرة لمعالجة التجاوزات أفضت إلى فرض غرامات لم يكن لها مفعول رادع، وذلك بعد زوال المنافسة. ومن شأن منافسة أكثر نزاهة وقواعد على نطاق القارة، تشجيع ظهور شركات أوروبية، في وقت يعاني الاتحاد الأوروبي من تأخر مقلق على صعيد الاقتصاد الجديد. وفي مواجهة هذه الهجمة، تعدّ الشركات الأميركية العملاقة لحملة ضغط مكثفة هدفها التخفيف من شدة التنظيمات المزمعة، وهو ما كشفته وثيقة داخلية لشركة غوغل تم تسريبها في نوفمبر (تشرين الثاني)، تتحدث عن سعي لإضعاف تييري بروتون. وبعدما كانت شركات الإنترنت العملاقة هذه تحصد في الماضي الإشادات لابتكاراتها، تسعى اليوم لإقناع السلطات بأن فرض قوانين متصلبة ومعممة سيضر بالمستهلكين وبالاقتصاد الأوروبي. وقال المكلف مسائل المنافسة في "جمعية صناعة الكمبيوتر والاتصالات" كيوان حازمي جبالي ، إحدى مجموعات الضغط الناشطة في هذا القطاع، إنه "ينبغي معاقبة السلوك السيئ، وليس النجاح". ورأى أن "مهاجمة شركات بسبب حجمها بدون اعتماد حلول يتم تقييمها لكل حالة على حدة، قد يحرم أوروبا من الكثير من النمو والابتكار". ورأى ألكسندر دو ستريل أحد مدراء مجموعة الدراسات "سنتر أون ريغوليشن إن يوروب" أن شركات الإنترنت الكبرى مثل غوغل وآبل وفيس بوك وأمازون ومايكروسوفت تخشى أن تصبح التدابير المتخذة قدوة يتبعها باقي العالم، ما سيعارض طريقة عملها. وقال لفرانس برس "ستكون لنا لأول مرة تنظيمات غير متكافئة تركز فقط على الشركات الكبرى" مضيفا "سنفرض قوانين لضبط نفوذها".