أيقونة الفن المغربي نعيمة المشرقي تغادر دنيا الناس    عام على الإبادة... أوقاف غزة: إسرائيل دمرت 79 في المائة من المساجد و3 كنائس واستهدفت 19 مقبرة    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة بحبات البرد وبهبات رياح مرتقبة غدا الأحد بعدد من أقاليم المملكة    توقيف شخص بطنجة لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة بالعنف باستعمال السلاح الأبيض    مجلس مجموعة الجماعات أنوال بإقليم الدريوش يصادق بالإجماع على نقاط دورة أكتوبر    "محكمة العدل" تغرد خارج سرب التوافق الأوروبي .. عيوب شكلية ومعالجة مُسيسة    رحيل أيقونة الفن المغربي نعيمة المشرقي    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        البكوري: عملنا يستند على إعمال مبدأ القانون في معالجة كل القضايا مع الحرص على المال العمومي    جيش إسرائيل يقصف مسجدا بجنوب لبنان    شركات يابانية تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لتعويض نقص العمالة    حزب الله يستهدف قاعدة جوية في حيفا    الجامعة تحدد أسعار تذاكر مباراة الأسود وإفريقيا الوسطى    هنغاريا تدعم الشراكة بين أوروبا والمغرب    من قرية تامري شمال أكادير.. موطن "الموز البلدي" الذي يتميز بحلاوته وبسعره المنخفض نسبيا (صور)    استجواب وزيرة الانتقال الطاقي أمام البرلمان عن الفجوة بين أسعار المحروقات في السوقين الدولية والوطنية    السكوري يُطلق منصة رقمية لخدمة التشغيل    رسالة بنموسى في اليوم العالمي للمدرس    انتقادات للبطء الشديد في عملية إعادة إعمار مناطق زلزال الحوز    "أطباء لبنان" تطلق نداء عاجلا لوقف "مجزرة" إسرائيل بحق الجهاز الصحي        هيئة: أكثر من 100 مظاهرة في 58 مدينة مغربية تخليدا للذكرى الأولى لمعركة "طوفان الأقصى"    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون قرار محكمة العدل الأوروبية    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    قرار محكمة العدل الأوروبية: نواب أوروبيون يعبرون عن امتعاضهم من قرار يمس بالمصالح الاقتصادية الأوروبية    انطلاق بيع تذاكر مباراة المنتخب المغربي ضد نظيره من إفريقيا الوسطى    بعد قرار محكمة العدل الأوروبية.. هنغاريا تؤكد على الشراكة الاستراتيجية مع المغرب وتدرس تطويرها وتوسعتها لمجالات عدة    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا    كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى        طقس السبت ممطر في بعض المناطق    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيد الأضحى...دروس وعبر
نشر في أخبارنا يوم 28 - 07 - 2020

أيام قليلة تفصل الأمة الإسلامية عن عيد الأضحى المبارك، تلك الشعيرة الربانية العظيمة، التي تضمنت في طياتها دروسا كثيرة وعظات بليغة ودلالات عميقة، ومظاهر متعددة من أنماط التقرب إلى الله تبارك وتعالى، والتماس القربة إليه سبحانه بتقديم الأضاحي وذكر الله عليها وعقبها، شكرا وحمدا له سبحانه على عظيم العطايا وجزيل النعم، حتى إذا أدّى المسلم صلاته وأفرى أوداج ذبيحته وأراق دمها وسقطت واجبة هامدة ونادى الله من علُ : { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم }، إذا بذنوب المضحّي ساعتئذ وخطاياه تنهمر وتندفع بقوة وتجري مع دم ذبيحته، حتى يصير أطهر وأنقى ما يكون، وينال بكل صوفة أو شعرة حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وتأتي غدا أمام الله بقرونها تجادل عن صاحبها وتشفع له عند الله تعالى، إذ ذلك تنكشف نفسه مرآة بين يديه، ينظر إلى عيوبها واعوجاجها فيصلحها ويقومها، ويستنزل من أنوار التقوى ما يكشف به الحجب، ويواصل به الطريق إلى الله على بصيرة وهدى، فيلقى ربه راضيا مرضيا، ذلك أنه عظم شعائر الله، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.

إنها شعيرة ضاربة في عمق التاريخ، من خلالها نتذكر قصة خليل الله إبراهيم وذبيحه الحليم إسماعيل عليهما السلام، بما انطوت عليه من مشاهدات وتجليات، فما أن رأى في المنام أنه يذبح نجله الحليم، الذي رزق به على الكبر وبعد طول انتظار، حتى عزم على تفيذ أمرالله كائنا ما يكون، أمر الله الذي اتخذ هنا شكل رؤيا صادقة، ورؤيا الأنبياء حق.

فأخبر ابنه بما رأى، فما كان من هذا الابن الصبور إلا أن أذعن لأمر الله تعالى في خضوع تام واستسلام منقطع النظير، أن يا أبت افعل ما تومر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتله للجبين في أروع ما تكون صور التضحية والصبر والتحمّل، وعزم على أن يفري أوداج ابنه الحليم، أعلن الله تعالى أن قد نجحت في الاختبار يا إبراهيم، وسلام على

صبرك يا إسماعيل، إلى هذا أشار القهار جل وعلا في القرآن الكريم : { فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم. }.

تلك هي قصة عيد الأضحى التي أقرها الإسلام وربطها بمناسك الحج وشرع لها صلاة خاصة، وحث على ذكر الله في أيامها، شكرا له سبحانه على ما رزق من بهيمة الأنعام، ومن خلال هذه القصة المباركة نحاول إن شاء الله تسليط الضوء على ما انطوت عليه من مقاصد وأسرار، وجب استحضارها في عيد الأضحى واقتباس النور من مشكاتها، ومن ثَمَّ تخليص هذا النسك وتشذيبه مما لحق به من أدران اجتماعية وصبغة تفاخرية.

فأول شيء يثير انتباه المتأمل في هذه القصة العظيمة هو مسألة التضحية، بما هي بذل للنفس أو المال أو الوقت في مقابل غاية أسمى ومقصد أعظم، رجاء ثواب الله وابتغاء رضوانه، إنها الفداء والإيثار والعطاء والجهاد في سبيل امتثال أمر الله، وليس المطلوب اليوم ذبح الأبناء، ولكن التضحية بشيء من المال أو جزء من الوقت في سبيل إسعاد الآخر، وبذل الجهد والوسع في التخفيف عن الناس وتفريج الكرب عنهم وعيادة المريض ومواساة المكلوم، إنها التضحية بعسيلات الحياة وسوء الأخلاق في سبيل نيل رضوان الله، إنها التضحية بالتعب والسهر في سبيل التقدم والإزدهار والعلم والتعلم، وبث روح الفضيلة في المجتمع ومد يد العون للمعوز والمحتاج، إن التضحية اليوم تأخذ شكل التربية الصالحة للجيل الناشئ ومحاربة الفساد والإسهام في الإصلاح، إنها عبارة عن تظافر جهود كل مكونات المجتمع قصد إقلاع حقيقي قوامه التنمية والتعاون والتآزر والتضامن وتحقيق المثل العليا والأخلاق السامية، التي ما فتئت في انحدار مهول ونقص فاحش.

ومما هو جدير بالانتباه أيضا قضية البلاء المبين، بما هو سنة كونية جارية إلى يوم الدين، ذلك أنه لا بد لكل إنسان أن يتجرع من البلاء ما تصّفر منه الأنامل، وتشيب منه الولدان، ويدع الحليم حيران، وذلك في الحقيقة دأب الأنبياء والمرسلين، والعلماء والصالحين، بل والناس أجمعين.

قال الشاعر : وكل أناس سوف تدخل بينهم دويهية تصفر منها الأنامل

فالتاريخ يخبرنا عن أناس تجرعوا من عظيم الابتلاء، والأنبياء كلهم امتحنوا أشد ما يكون الامتحان، والصالحين كذلك فتنوا أيما افتتان، { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا

آمنا وهم لا يفتنون } فلا مناص إذن من أن يختبر الله جل وعلا عباده بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات، وطوبى في ذلك للصابرين.

أمام هذه الحقيقة يظهر صبر إسماعيل في هذه القصة المباركة، كمنارة يهتدي بها كل من لسعته نوائب الدهر، ويسترشد بها كل من تجرّع من الكأس المرّ، ويتسلّى بها كل من أفجعته حوادث الزمان، ويتعزّى بها ذوو المحن والآلام، وبذلك تمضي سفينة الحياة تمخر عباب الأعوام والقرون لا تلوي على شيء حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ومن عظيم ما تضمنته هذه القصة أن مع العسر يسرا، وبعد كل شدة فرجا، فبعد البلاء العظيم الذي ابتلي به إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، نزلت شآبيب رحمة الله ورضوانه، وعوضهما الله بكبش عظيم مع ثبات الأجر والثواب، وخلّد قصتهما عبرة للعالمين، وصدق الله إذ يقول : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فننجي من نشاء}، فالفرَج سليل الشدة، والمنح تولد من رحم المحن، وأن اليسر يتمخض به العسر عبر قناة الصبر، وهذا لعمري مشاهد ومجرب، فكم من شخص قد يئس من علاج دائه أو تنفيس كربته أو زيادة رزقه، ثم بعد ذلك تأتي رحمة الله فتنسيه الشقاء، ولو استقصيت مثل هذه الحوادث لذكرت لك منها غير قليل، بل لو ذكرت لك من أحوالي في هذا المضمار لكان كافيا في الاستدلال، ولكن يكفي من البساتين زهرة.


هذه الأسرار وغيرها مما وسعته القدرة وساعدت فيه الفكرة، ذكرتها لك أخي كي تستحضرها وأنت تحتفل بعيد الأضحى المبارك، وتستنزل من بركاته ما ينفعك عند الله، وحتى لا يستحيل العيد مجرد مناسبة اجتماعية فارغة من كل دلالة وخالية من كل صبغة دينية، خصوصا في ظل التغول المادي والطغيان الاجتماعي، هذا وعلى نبينا السلام في كل بدء وختام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.