ما إن تلوح تباشير عيد الأضحى في الأفق حتى نرى ونسمع كلاما عجابا هنا وهناك، ومزاعم وافتراءات وادعاءات يوحي بعضها إلى بعض زخرف القول كما تفعل الشياطين، كلام حول شعيرة من شعائر الله، تعد الأقدم على الإطلاق في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:
جاء في تفسير (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ واتل عليهم ﴾ يعني: على قومك ﴿ نبأ ﴾ خبر ﴿ ابني آدم ﴾ هابيل وقابيل ﴿ إذ قرَّبا قرباناً ﴾ تقرَّب إلى الله هابيل بخيرِ كبشٍ في غنمه فنزلت من السَّماء نارٌ فاحتملته فهو الكبش الذي فُدي به إسماعيل).
وقد صارت هذه الشعيرة شعيرة التضحية والتقرب إلى الله سنة ماضية في ذرية آدم فهاهو النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام يكرر المشهد لكن هذه المرة بفداء من السماء
قال تعالى:
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) الصافات.
وعلى هذا سار النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والخلفاء الراشدون والأئمة والمسلمون.
قال تعالى:
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2))
الكوثر،
قال سعيد بن جبير أيضا : صل لربك صلاة الصبح المفروضة بجمع ، وانحر البدن بمنى.
فعن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما ذبح أضحيته قال: (بسمِ اللهِ، اللهمّ تقبّل من محمدٍ، وآلِ محمدٍ، ومن أُمَّةِ محمدٍ)،
وقد شرع الله سبحانه وتعالى الأضحية لِما فيها من تقرّبٍ له بامتثال أوامره، ومنها إراقة الدم، وإعلان التوحيد بذكر اسم الله تعالى عند ذبح الأضحية، بالإضافة إلى التصدّق على الفقراء والمحتاجين.
ويعود السبب في تسمية الأضحية بهذا الاسم هو الوقت المشروع لبداية وقتها، وهو وقت الضحى.
بالإضافة إلى أنها تذكّر المسلمين بامتثال سيّدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام للوحي الذي جاء سيدنا إبراهيم في نومِه بتنفيذ أوامر الله عزّ وجل بذبح ابنه.
وبما أن هذه التضحية قربة المراد بها ابتغاء وجه الله فقد وجب التماس السمينة والتوسل إلى المليحة من الأضاحي والتي تسر، والخالية من العيوب المعتبرة شرعا أي الإبتعاد عن (الهزيلة/المريضة/العرجاء/العوراء).
هذا وقد اختلف الفقهاء فى حكم الأُضْحِيَّة، فقول بأن
الأُضْحِيَّةُ سنةٌ مؤكدةٌ فى حق الموسر، وهذا قول جمهور الفقهاء الشافعية والحنابلة، وهو أرجح القولين عند مالك،
وبالرغم من هذا فقد اختار بعض البشر الفتوى في أمور الدين بغير علم خاصة فيما يتعلق بهذا الشأن، وأغلب هؤلاء من الجهال الذين حذر النبي صلى الله عليه وسلم منهم وهي علامة من علامات آخر الزمان،
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا))
متفق عليه.
فطلع علينا فريق من الذين لا يفقهون شيئاً في دين الله وسارعوا إلى إطلاق أبواقهم للافتراء والخرص، ففريق تبنى دعوى الالغاء، إلغاء شعيرة عيد الأضحى بسبب الأوضاع الإقتصادية زمن كورونا وغيرها.
وفريق قال بالتصدق بثمنها على الفقراء والمساكين.
وفريق قال بالاقتصار على الرخيصة مع الاستطاعة...
وجوابنا على هؤلاء فهو كالتالي:
1-أما أهل الإلغاء فلا يرد عليهم لضعف حجتهم وقصر نظرهم.
2-وأما أهل التصدق بثمنها على الفقراء والمساكين، نقول متى حلت عبادة محل عبادة أخرى بدون دليل، وهذا الأمر خطير حيث يفتح باب التشهي والتمني والاختيار في العبادة بلا دليل حتى تحرف و تسقط.
3-وأما أهل الرخيصة فلا حجة لهم بل هي دعوة لمخالفة قواعد شرعية اساسا في هذا الدين، أولها وهي التوسط والاعتدال في الإنفاق هذا من وجه، ومن وجه آخر وحيث أن الأضحية قربة وتطوع فالأصل اختيار الأثمن والأطيب والأجود.
وأمام هذا كله لا يسعنا إلا أن نحذر المسلمين من هؤلاء االقوم فهم الضالون المضلون الذين تجرؤا على الدين من غير حياء.
و العوام لا يدرون السبيل إلى الحق ولا يهتدون لأن هؤلاء الجهال من ذوي الرؤوس الفارغة قد تصدر المشاهد واعتلوا المنابر وأصبح صوتهم صادعا مسموعا، وزاد على ذلك اسلوب التنميق والتزويق ليتقرب إلى القلوب وهم عن خطاب العقول أبعد وأقصى.