تعاني بلادنا من موجات حر مستعر بين الحين والآخر، ولدرجات الحرارة القصوى مضاعفات خطرة على الصحة والجسم، ولها تأثيرات سلبية مباشرة على الدماغ والقلب والكليتين والجلد والعينين. وقد وهب الله لأجسادنا طرقاً طبيعية للحماية الذاتية من ارتفاع درجة الحرارة الشديد، بحيث تبقى درجة الحرارة الداخلية في أجسامنا ثابتة، وأهم هذه الطرق عمليتا التعرق والتنفس، فتبخر الماء خلال هاتين العمليتين يدعو لتبريد الجسم، ولكن التعرق قد لا يكون فعالا إذا كانت رطوبة الجو مرتفعة، ولذلك ما يضرنا من الوجهة الصحية هو ليس ارتفاع حرارة الجو فحسب، وإنما ازدياد رطوبته كذلك.
ومهما يكن من أمر، فآليات دفاع الجسم ضد حرارة الجو لها حدودها، وإذا كانت الحرارة العامة فوق قدرة الجسم على التحمل، واستمرت مرتفعة بشكل متواصل (دون انخفاض كاف خلال الليل مثلا)، فقد تكون النتيجة إصابة الإنسان بالإعياء الحراري، ثم الصدمة الحرارية، ثم الوفاة.
- ماذا يحدث للجسم في درجات الحرارة المرتفعة جداً والمستمرة؟ في المرحلة الأولى تفقد آليات الجسم الدفاعية قدرتها على التكيف، مما يدعو الجسم لتجاوز درجة الحرارة الطبيعية التي اعتاد عليها، فيصاب الإنسان بأعراض نقص الماء (التجفاف)، وهي الضعف العام والتشوش الذهني والصداع وشح البول واصفراره والإمساك، وقد يصاب بالإغماء، كما يصاب بأعراض "نقص الشوارد والأملاح"، والتي تشمل الغثيان والدوار (الدوخة) والإقياء والتشنجات العضلية. وإذا كان هناك تعرض مباشر لأشعة الشمس خلال حدوث موجة الحر، يمكننا إضافة حروق الجلد وتأذي العينين بالأشعة فوق البنفسجية لقائمة الأضرار.
وقد تعارف الأطباء على تسمية هذه الأعراض ب"الإعياء الحراري". ويمكن للمصابين بالإعياء الحراري عادة أن يُنقَذوا من وضعهم السيء هذا بالراحة، وخلع ما لا يلزم من الثياب، والانتقال لجو مبرد (لا مانع من أخذ حمام بارد أو وضع فوَط باردة على الجسم)، وشرب كميات كافية من الماء والأملاح، كما ينصح المصابون أن يلتزموا بالراحة وتفادي الحرارة لمدة أسبوع على الأقل بعد إصابتهم.
- ماذا يحدث إن لم يسعف المصاب بالإعياء الحراري؟ يدخل عندها بالمرحلة الثانية التي تدعى الصدمة الحرارية، وهذه حالة خطرة تحتاج لإسعاف طبي في المستشفى، ترتفع فيها حرارة الجسم فوق 40 درجة مئوية، وأول ما يتأثر فيها من الأعضاء الحيوية الدماغ، فيصاب الإنسان -إضافة لأعراض الإعياء الحراري التي وصفناها- بالهذيان وفقدان المحاكمة الذهنية، وربما نوبات الصرع، ثم فقدان الوعي والسبات، كما تتوقف فيها غدد العرق عن الإفراز ويصبح الجلد فيها حاراً وجافاً، وتتوقف الكليتان فيها عن طرح البول، ويتسرع النبض والتنفس وينخفض الضغط، وتنتهي هذه الحالة -إذا لم يتم إسعاف المريض- بالوفاة.
- كيف يسعف المصاب بالصدمة الحرارية؟ إذا شككت بإصابة أحد بالصدمة الحرارية، فيجب الاتصال مباشرة بالإسعاف لنقل المريض إلى المستشفى، وإلى أن تصل سيارة الإسعاف، عليك بنقل المصاب إلى جو بارد، ومسح جلده بكمادات رطبة باردة، أو غمس جسمه في مغطس من الماء البارد، وينصح البعض بوضع كمادات مثلجة تحت الإبطين وحول الرقبة وفي الظهر وبين أعلى الفخذين. ولننتبه إلى أن "المراوح" التي تستخدم عادة في البيوت لتلطيف الجو، لا تنفع في حال ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، بل بالعكس قد تزيد الحرارة. - كيف تقي نفسك من الإعياء الحراري والصدمة الحرارية؟ * ارتد الملابس الخفيفة الفاتحة اللون والقطنية أثناء موجة الحر، ولا تنس ارتداء قبعة عريضة ونظارات داكنة، وادهن المناطق المكشوفة من جلدك بكريم واق لتحمي نفسك من أشعة الشمس.
* اشرب السوائل (الماء، المشروبات الغازية غير السكرية، عصائر الفاكهة) بكثرة (ينصح على الأقل ب 8 أكواب يوميا بحالة الراحة، يضاف إليها كوبان قبل أي جهد رياضي وكوب كل 20 دقيقة خلال وبعد الرياضة).
* تأكد دوماً من أن بولك فاتح اللون، واشرب المزيد من السوائل إذا صار داكن الصفرة. اختر من السوائل الماء أو عصير الفواكه، وتحاش القهوة والسوائل السكرية. وإذا كنت مصاباً بعلة صحية تحتم عليك تحديد كمية الشراب، فاستشر طبيبك في كمية السوائل التي باستطاعتك استهلاكها.
* تجنب العمل تحت أشعة الشمس قدر المستطاع، وبرمج فعالياتك خارج بيتك في أبرد ساعات النهار. وإذا كنت تعيش في منزل غير مجهز بوسائل التبريد، فاسعَ للانتقال لبيئة مبردة خارج البيت في الساعات الأشد حرارة من النهار، وافتح نوافذ البيت في الليل.
* إذا أصبت بالصدمة الحرارية ثم تم إسعافك منها، فاعلم أنك ستبقى متحسسا للحرارة المرتفعة لفترة أسبوع على الأقل، لذلك تحاش الأجواء الحارة والتمارين المجهدة خلال هذه الفترة.