يعود تأسيس المساجد بالمغرب إلى فجر الفتح الإسلامي ؛ حيث تذكر المصادر التاريخية أن أول مسجد أسس في "أغمات غيلان" قرب مراكش عام 85 للهجرة، وتوجد بالمدن العتيقة كفاس ومراكش وغيرها مساجد يفوق عمرها مئات السنين تشهد على تطور الفن المعماري المغربي ، وعلى مظاهره الفنية التي كانت تتغير من دولة إلى أخرى . وحسب وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية تتوفر المملكة المغربية على 51 ألف مسجدا و مكانا مخصصا للعبادة ، 70 بالمائة منها بالمجال القروي، كما أن الطلب السنوي من المساجد يقدر ب240 مسجدا. ويبلغ عدد القيمين الدينيين في المساجد بمختلف أصنافهم،(الأئمة والمؤذنين والأشخاص المكلفين بتدبير المساجد)، 72 ألفا، وتصل التعويضات التي يتلقونها، حسب أرقام 2017، إلى أكثر من مليار درهم، و200 مليون درهم من أجل تأمين التغطية الصحية لهم ولأسرهم، وفي المجموع تؤمن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حوالي 245 ألف شخص، دون نسيان منح الأعياد الدينية ، ومساعدة المقبلين على الزواج. وما لا نعرفه بالضبط هو عدد الأشخاص الذين يؤمون المساجد لاداء الصلوات الخمس ، رغم أن المركز الأميركي "بيو للأبحاث قد كشف أن 80 % من المغاربة البالغين يؤدون الصلاة بشكل يومي، وهي من النسب العالية المسجلة على مستوى العالم، فيما تتصدر القائمة كل من أفغانستان ونيجريا والسينغال . ويعتبر المغاربة المساهمة في بناء المساجد وتجهيزها والعناية بالقائمين عليها نوعا من العبادة،فعلى سبيل المثال تشير بعض المصادر الى أن مساهمة المغاربة في بناء مسجد الحسن الثاني قد بلغت 300 مليار سنتم علما بان بناءه قد كلف 500 مليون دولار. ورغم ان المرحوم الحسن الثاني أراد ان يساهم المغاربة في بناء هذا المسجد ولو بدرهم واحد ، إلا ان رجال السلطة ابتزوا المواطنين وفرضوا عليهم المساهمة بمبالغ تفوق طاقتهم وراجت اشاعات آنذاك مفادها ان كثيرا منهم اغتنوا من هذه التبرعات . وبجولة سريعة على طول المغرب وعرضه ستلاحظون انتشار أعداد كبيرة من المساجد ما بين مشيدة أو في طور البناء ، بعضها أنشأها محسنون ومتبرعون والبعض الآخر من انشاء وزارة الأوقاف، وجل هذه المساجد بنيت بشكل فيه الكثير من البذخ والترف والزخرفات والزليج والرخام الفاخر المستورد والثريات من مختلف الاشكال والاحجام والزرابي الباهضة الثمن والجبص المنقوش والأبواب المنقوشة من الخشب النفيس ، إلا أنه بعد اكتمال بنائها ستفتح قبل الآذان بدقائق وتغلق بعد الصلاة مباشرة ، بعد ما كانت تظل مفتوحة طيلة اليوم ولا تغلق إلا بعد صلاة العشاء ، وبعد أن كان المسجد مؤسسة مركزية بوظائف مختلفة، يلتقي فيها الديني بالسياسي والاجتماعي بالاقتصادي، تتقاطع فيها الدعوة بالدعاية والوعظ الديني بالتعبئة السياسية تحول الى مجرد مكان للعبادة تقدم فيه بين الفينة والأخرى تحت اشراف ومراقبة الوزارة الوصية دروس الوعظ والإرشاد ومحاربة الامية. إن بناء المساجد، وتوسيعها، والعمل على إبرازها وخدمتها ورفع شأنها كل هذا مما حض الإسلام عليه ورغب فيه، ولكن هذا شيء، والإنفاق إلى درجة الترف شيء آخر، أفلا يعتبر بناء هذه المساجد الفاخرة على مساحات شاسعة بتكلفة تبلغ ملايين الدراهم تبذيرا و اسرافا في مجتمع يعاني من الفقر والبطالة ومن كثرة المتسولين والمشردين ؟ أوليس التبذير والإسراف خلقان مذمومان ، جاء النهي عنهما في كتاب الله عز وجل ؟ قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31] وقال (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (الإسراء 26،27. ألم يعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، المساجد بالطاعة والعبادة ، معرضين عن الزينة والزخرف ؟ وفي السنة النبوية الشريفة الصحيحة مما جاء في صحيح البخاري في كتاب الصلاة، باب بنيان المساجد: ( قال أنس: يتباهون، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، فالتباهي بها: العناية بزخرفتها. قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى). وقد جاء وعيد شديد على هذه الزخرفة، وهو فيما رواه الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " إذا زوقتكم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم" و المفارقة المؤلمة والعجيبة في آن واحد هي أن تخرج من الصلاة في هذه القصور الفخمة الباذخة لتجد المحتاجين يقفون أمام أبوابها يطلبون من المصلين مساعدتهم على نوائب الدهر، فهذا يطلب طعاما وذاك يتسول ثمن دواء وآخر يعرض عاهاته المتعددة وومرضى يستجدون ثمن الدواء والتجهيزات الطبية الغالية الثمن ....نساء ورجال وأطفال من كل الاعمار .... ، منهم المحتاجون فعلا ومنهم محترفو هذه المهنة للنصب على الناس واستدرار عطفهم . وهناك فئة اخرى لا يعرفون للتسول سبيلا ولا يمدون اياديهم طلبا للصدقات اما بسبب التعفف أو بسبب امراض نفسية او عقلية ، يقضون بياض يومهم وسواد ليلهم مستلقين في الطرقات قرب المساجد وقرب المحطات وفي الحدائق والمقابر والأبنية المهجورة ، استحالت بشرتهم بسبب عوامل الطقس والأوساخ وقلة التغذية الى ما يشبه جلود الانعام مع احترامي الكبير لآدميتهم . (أشارتْ بعض الدراسات البحثيّة إلى أنّ ظاهرة التسوّل في المغرب قد أصبحت بمثابة مهنة يحترفها ما يفوقُ خمسمائة ألف شخص تقريباً؛ نتيجة الفقر المدقع، وأوضحت الدراسة أنّ فئة الأطفال هي الفئة الأكثرُ امتهاناً لهذه المهنة، خاصّة مَن هم أقلّ من 12 سنة تقريباً) هل هذا هو الدين الاسلامي ؟ وهل هذه هي تعاليمه ؟ إن الدين عند كثير من المغاربة يشهد تناقضات كثيرة تقوم في معظمها على مظاهر الأشياء، فالتعلق بالمظاهر والقشور أسهل بكثير من تطبيق المضمون. البعض يختصرون الدين في تسجيل الحضور خمس مرات يوميا في المسجد والبعض يراه في وضع نسخة من المصحف في البيت او على المكتب او في السيارة أو تعليق لوحات تتضمن آيات من القرءان الكريم كآية كالكرسي و:" هذا من فضل ربي " و " ما شاء الله " في البيت والمتجر والمكتب - وغيرها من اللوحات المزوقة والمنمقة ، أما أشرطة المقرئين والمفتين المشهورين فقد اصبحت تجارة مربحة - ، ولكن من الصعب على الكثيرين أن يطبقوا في حياتهم ما يدعو إليه الاسلام من تكافل وتعاون وتآزر وغيرها من القيم الانسانية النبيلة . في دراسة قبل أعوام قليلة، أجرتها جامعة جورج واشنطن على 208 بلدا في العالم، لمعرفة أيها أكثر تمثلا للقيم الإسلامية التي اشتمل عليها القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، جاءت النتيجة مخيبة لآمال العالم الإسلامي، فقد احتلت إيرلندا المرتبة الأولى بتجسيدها أفضل القيم الإسلامية، تلتها الدنمارك ولوكسمبورغ ونيوزيلندا، في حين أن أول دولة ذات أغلبية مسلمة ظهرت في القائمة كانت ماليزيا التي احتلت المركز 33 ، وأول دولة عربية مسلمة هي الكويت جاءت في المرتبة 48 . وهذه الدول التي تصدرت القائمة لا تزدهر لديها الرموز الدينية الإسلامية، غير أنها استطاعت أن تضع تعاليم الإسلام في سلوكيات وتعاملات يومية بقوالب أخلاقية، واستفادت منها في أن تكوّن مجتمعات صادقة وأخلاقية وإنسانية. إذن لماذا هذا التفاخر الكاذب بنشر المظاهر الدينية من مساجد فاخرة واضرحة وزوايا كالقصور( 24 مليار سنتيم هبة للزوايا والقائمين عليها سنويا ) في كل مكان ما دامت غير قادرة على صنع أي تأثير في حياتنا اليومية ؟ نحن فى حاجة إلى ترسيخ قيم الإسلام الحقيقية فى العدل والمساواة والتسامح والحوار.. ليس من المنطق أن نحاول تأكيد المظاهر فى السلوك والشكل ، وننسى أهم وأخطر ما تتطلبه ظروف مجتمعنا ، نحن فى حاجة إلى مجتمع صحى سليم يتجاوز أمراضه التى سكنته عشرات السنين ما بين الجهل والسلبية والاستبداد والبطش وانتهاك الحريات.. نريد أن نسترجع الإنسان المغربي الجميل بثقافته وتدينه وأخلاقياته وضميره الحي. نريد أن تنعكس مظاهر الدين الاسلامي وتعاليمه على المستوى الأخلاقي في سلوكنا اليومي وتعاملاتنا المختلفة ما دمنا مصممين على نشر كل مظاهر التدين بهذا الشكل وهذه الكثافة في حياتنا اليومية. ان الأخلاق التي يحض عليها الدين غائبة عن سلوكنا وحلت بدلا منها سلوكيات لا يمكن اعتبارها نابعة من الدين، يزدهر فيها الكذب والغيبة والنميمة و عدم الأمانة وعدم الوفاء والسرقات والاختلاسات والرشاوى وعدم احترام الكبير وعدم الشعور بمعاناة الفقراء والمستضعفين، إلى غير ذلك من الافعال والأقوال التي لا يمكن أن تلتقي مع الأخلاق الاسلامية الحميدة . إن البذخ في تزيين المساجد وجعلها معارض فنية من التكلف الذي تأباه روح الإسلام، فضلاً عن أنه إسراف وتبذير فيما لا فائدة منه. هذه الأموال التي تصرف على الفن المعماري وما إليه يمكن أن تنفق على الفقراء والمحتاجين وتقضي نسبيا على البطالة التي يعاني منها الكثير وتوفر المأوى للمشردين و قاعات لعلاج المرضى من الفقراء، يمكن ان تساهم في توفير تجهيزات وأطر طبية لمستشفيات و مستوصفات مغلقة على الدوام في المناطق النائية بل وفي التجمعات الحضرية ... يمكن ان تساهم في بناء معاهد ومدارس لاستقبال هذه الجحافل من حاملي شهادة الباكالوريا الفقراء الذين لا يملكون الامكانياات المادية لمتابعة دراستهم ، يمكن ان تساهم في حفر آبار توفر الماء الشروب للتخفيف من معاناة النساء والأطفال الذين يقضون حياتهم في البحث عن هذه المادة الحيوية، يمكن ان تستعمل في بناء القناطر لفك العزلة عن المناطق التي تحول فيضانات السيول والأنهار على تواصلهم مع العالم الخارجي ، أليس الإنفاق على بناء الإنسان أهم بكثير من الإنفاق على بناء المعالم والآثار؟ إن المساجد أمكنة يذكر فيها اسم الله في الأرض وترتفع بها كلمته، هذا هو الهدف من إنشائها،ويكفي في بنائها ان تقي الناس حر الشمس وبرد الشتاء وتكون مضاءة بما يكفي ومفروشة بما قل ودل كما كانت مساجدنا من قبل ، وليس بناء صروح من أجل التفاخر والتباهي ، و إلا فما الفرق بين الإسلام وغيره من الأديان إذا أصبحنا نسير في بناء مساجدنا على خطى المعابد البوذية الضخمة، والكاتدرائيات الباذخة وغير ذلك من المعالم التي بنيت بدم وعرق الفقراء باسم الدين . ما الجدوى من المساجد التي بنيت للتفاخر والتقليد واستقبال السائحين في حين يكفي المسلمين مساجد متواضعة و نظيفة، وفسيحة لكن مملوءة بناس لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله؟ ! اليس من الاجدى أن توجه ملايين الاوقاف وتبرعات المحسنين نحو بناء إنسان خربته سنوات القهر والاستبداد وامتهان الآدمية . أليس من الأولى البحث عن صيغ أخرى لأعمال الخير غير بناء المساجد بملايين الدراهم ؟ هل بناء المساجد أنفع أم المدارس لمحاربة الجهل والمستشفيات يتلقى فيها المرضى البسطاء علاجهم؟، هل كثرة بناء المساجد دليل على الإيمان وعمل يقربنا إلى الله ورسوله (ص) أم توصيل المياه الى القرى الفقيرة أكثر قيمة. ؟ " وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا ، وأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل"، حديث نبوي شريف ، إن الصلاة تصلح ولو على الارض كما جاء في حديث الرسول الاعظم صلوات الله وسلامه عليه ، اننا بحاجة ماسة للمستشفيات والمدارس والى دور لإيواء المشردين و الايتام والعجزة ، فحسب احصائيات للمندوبية السامية للتخطيط سنة 2016 فإن عدد الأشخاص بدون مأوى بالمغرب ، بلغ 7226 ، يشكل الرجال غالبيتهم بنسبة تعادل في المائة 86,7 مقابل 3,13 في المائة من النساء وأن 5،6 في المائة منهم أطفال دون سن 15 سنة ، و 6,7 في المائة تتراوح أعمارهم بين 15 و 19 سنة، بينما 77,5 في المائة من الأشخاص بدون مأوى هم من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و59 سنة و3,8 في المائة أشخاص مسنون تفوق أعمارهم 70 سنة. و 32 بالمائة من الأشخاص من دون مأوى في حالة إعاقة، افتى الإمام عبد القادر الجيلانى او تاج العارفين كما يلقبه اتباعه فى هذا الشأن وفقا للمعلومات المتداولة قائلا " لقمةٌ فى بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله بين ساجد وراكع، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع، وخير ممن صام الدهر والحر واقع، فيا بشرى لمن أطعم الجائع".