لا يعترف المتطرفون الاسلاميون بوجود أوطان قطرية، فهم يقسمون العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر، ويعتقدون أن دار الإسلام تمتد من أندونيسيا مرورا بأرض البنغال والكشمير إلى الأندلس جنوبا، ومن منطقة الساحل وبلاد السودان والحبشة جنوبا إلى أرض القوقاز وبخارى وسمرقند شرقا. هم لا يعترفون بالتقسيمات الإثنية والعرقية واللغوية والوطنية. ويعتبرون كل هذه الاختلافات من تدبير الطواغيت، وأن الجاهلية غلبت على المسلمين وتحكمت بهم. هؤلاء يؤمنون بنيتهم إنشاء دولة الخلافة حيث يعاد إحياء الإسلام الحقيقي حسب فهمهم، وتحصن وتطبق الحدود وتدفع الجزية وينمط الناس وفق نمط موحد في الهندام واللباس والطقوس والبيع والعبادات وغير ذلك. ف0صرة العقيدة والولاء والبراء تجعل المتطرف يعتبر البنغالي الذي يؤمن بنفس أفكاره أحب إليه من جاره وأخيه الذي يحمل فكرا لا يوافقه. يرفعون شعار "دستورنا القر0ن وشريعتنا السنة والفقه الإسلامي"، لكن ذلك وفق تسلسل أحادي في التأويل والفهم لمعاني ودلالات القر0ن والسنة. فالدين عندهم منحصر في مذهب الإمام أحمد وفتاوى ابن تيمية واجتهادات محمد عبد الوهاب وتنظيرات المقدسي وأبي قتادة والظواهري وغيىهم، بما يحمل هذا الإرث من نفي لمدرسة الرأي ونفي للتأصيل العقلي للنصوص، مع التركيز على الجهاد وفقه الحرب. المتطرف عندما ينحر سائحا أجنبيا في المغرب، فهو ينظر إلى ضحيته على أنه جندي قضى أو يقضي الخدمة العسكرية ويؤدي الضرائب لبلد يقع ضمن دار الكفر، وعلى أساس ذلك يهدر دمه. ولا ينظر إليه على أنه ذمي مهادن يتواجد في عهدة بلد له سيادة، لأن تلك الدولة والسيادة لا يعترف بهما أصلا. يحلم المتطرف بأنه موجود ليجاهد، وغايته الفردية في الجهاد دخول الجنة للتنعم بما فيها من ملذات وشهوات وعلى رأسها الحور العين، أما غاياته الجماعية فتكمن في إلحاق أكبر قدر من الضرر بالكيان الموجود فيه، وهذا الضرر سيؤدي إلى إسعاف البلد وخلق الفتن والاضطرابات حيث سيجد تنظيمه الفرصة للجهاد والانتصار ومن ثم تحرير الولاية التي يوجد بها الكثير من الكفار والزنادقة والعلمانيين، وبعد تحرير الولاية يلزم إعلان فتح معركة جديدة لغزو الكيان الأقرب، وهكذا حتى تحرير كل ديار الإسلام وتأسيس الخلافة، وبعد تأسيس الخلافة تبدأ مرحلة تطهير أرض الخلافة من المشركين والزنادقة وعباد الأضرحة والمنافقين والشيعة الكفار. وبعد حملة التطهير وتقوية الجبهة الداخلية وتأسيس القوة العاتية، سيبدأ الغزو، غزو بلاد الكفر قصد إزالة وإبادة الأنظمة الديموقراطية الشركية ومن ثم تحقق الفتح كي تمارس الدعوة بحرية. إنهم يفكرون في إعداد القوة من خلال تأسيس فيالق عسكرية ضخمة، وعلى رأس كل جيش قائد. فأبو القعقاع مثلا سيفتح روسيا الملحدة، وأبو سيف سيتوجه لغزو بلاد الروم والفرنجة بدءا من بلغاريا إلى المجر إلى البلقان إلى غرب أوروبا وبريطانيا محققين نبوءة الرسول(ص) في فتح روما وتدمير الفاتيكان عاصمة المسيحية، وأبو حمزة سيغزو السند والهند وأرض الكور واليابان ومن هناك نحو أستراليا والولايات المتحدةالأمريكية، أما أبو طلحة فمهمته سهلة في إفريقيا. إنهم يعتقدون أن الكعبة ستدمر، وأن معركة عظيمة طاحنة ستقع في منطقة دابق بسوريا، تماما كما يؤمن المتطرفين اليهود بملحمة هرمجدون التي يعقبها نهاية العالم. يعتقدون أنهم سيحاربون لوحدهم ثمانين راية للكفار، وسينتصرون انتصارا عظيما بعد أن يموت الثلث ويهرب الثلث ويثبت الثلث. يعتقدون أنهم سيحاربون غيرهم مستقبلا بالسيوف والخيول والسواطر لا بالطائرات والقذائف. لو تحقق لهم كل هذا، سيكونون قد أتموا المهمة وحرروا الكرة الأرضية من كل الأشرار، ونشروا الإيمان والتوحيد، وأصبح كل سكان الأرض مسلمين مسالمين، حيث تكون عيشة هؤلاء المسلمين عيشة الأمن والرخاء، وموتتهم طريقهم نحو الجنة. ومن هنا يظهر أن غاية كل هذه الأعمال الهمجية التي تزهق خلالها أرواح م0لها النار(حسب فهمهم طبعا) نصرة الإسلام ونشره، حتى يتحول سكان العالم إلى مسلمين مؤمنين، وبالتالي يدخلوهم الجنة وينتشلوهم من العذاب. إنها مفارقة غريبة، في الحاضر قتل أرواح وإرسالها إلى جهنم لأجل أن تنعم أرواح لا تزال في البرزخ بالجنة والنعيم بعد أن تأتي. إن موقف التنظيمات المتطرفة الغرب وكل العالم نظرة سوداوية، حيث لا وجود للألوان ولا للمنطقة الرمادية، وكأنهم يشتركون مع المحافظين الجدد في المقولة "إما معنا، وإنا ضدنا". فرغم تبرع بيل غيتس بملايير الدولارات على فقراء العالم، بما فيهم المسلمين، وهو ما لم يفعله ملوك ورؤساء ينادي بعض السلفية بحبهم وطاعتهم، ورغم صناعة الغرب لكل وسائل الراحة والسعادة التي غيرت حياتنا(كهرباء، دواء، وسائل النقل، هواتف، وسائل التجهيز المنزلي...إلخ)، إلا أن الغالب في تفكير جل التنظيمات المتطرفة هو أن الغرب شر كله، وأن الشرق شر كله، وأن معظم المسلمين خرجوا عن الملة وزاغوا، وأن أي تضامن أو فعل جميل يصدر من أشخاص غربيين أو مؤسسات غربية فلابد أن يكون فخا وراءه شر كثير. يزعمون أنهم وحدهم من يحتكر الحقيقة المطلقة ومن بلغ الكمال المعرفي، وبالتالي فلا مجال للنقاش والتفلسف معهم. هم يعتبرون سيرة شبابهم ومعتقداتهم الأفضل وفق معاييرهم، فيتصرفون على أساس أنهم وكلاء لله في الارض، يكفرون، يوزعون الجنة والعذاب والكفر والنفاق بناء على مؤشراتهم وتقييماتهم. تاريخ الإسلام بعظمته وضخامته خلال القرون العشرة التي يمكن اعتبارها الأفضل لم تكن مثالية، ولم تكن ملائكية بطبعها. بل كانت صناعة بشرية غلب عليها الطابع البشري، من اختلاف وخلافات وحسد وأحقاد وصراع على المناصب والأموال. ألا يحق لنا أن نتساءل: من قتل الفاروق العادل عمر بالسكين، ومن حاصر الخليفة عثمان ومنع عنه الماء ثم ذبحه ذبح الأكباش، من اغتال الخليفة علي، من سمم الخليفة الحسن رضي الله عنه رغم تنازله عن السلطة، من شق عصا الطاعة على سيدنا علي وحاربه حربا ضروسا حتى قلب نظامه، من قتل 0ل البيت شر قتلة بما فيهم سيدنا الحسين، من هتك أعراض بنات وزوجات الصحابة و التابعين في المدينة، من دمر الكعبة، من ضحى بمثقف معتزلي اسمه الجعد بن درهم يوم العيد وأمام الناس بسبب قراءته وتأويله للنصوص، من كان يغزو بلادا أخرى ويجلب منها الذهب والغنائم والعبيد والأيامي ليعيد توزيعها، من كان يوزع المال العام على الشعراء المداحين، من يكن أبو مسلم الخرساني الذي ارتكب مجازر رهيبة في حق العرب ومن أية ديانة يكون أبو العباس السفاح الذي ذبح الأمويين بما فيهم الأطفال، من يكن المهدي بن تومرت الذي قتل ال0لاف في مدينة مراكش لأنهم كانوا أتباعا للمرابطين، من أباد المعتزلة، من كان يت0مر وعلى من حتى تفرق مسلمو الأندلس دولا وشيعا وسهل إسقاطهم، من كان يحارب الأفكار المتنورة حتى ساد التخلف، من ومن ومن.... المسلمون على مر تاريخهم وفتوحاتهم وأمجادهم، والأخلاق العالية لثلة منهم، وقوة سلاطينهم ورباطة جأشهم. إلا أن الدسائس والمؤامرات والأحقاد والصراعات وحب الذات والأنا، كانت جزء من تاريخهم، تماما كما كان عند غيرهم من الأمم السابقة. لم يكونوا استثناء، ولم يستطيعوا التوافق دائما، إلا أنهم كانوا يبررون أفعالهم وتفرقهم وصراعاتهم بسنة التدافع، التي لولاها لحل الدمار في الارض حسب فهمهم. ولذلك، لن تستطيع جماعة من الجماعات المتطرفة توحيد المسلمين لأنها عاجزة عن خلق وحدة بين مكوناتها ووأد الفتن النابعة من ذواتها، خاصة أننا نعيش في عالم مختلف تماما. فالهوة التقنية في وسائل الحرب لم تعد متوازنة لا كميا ولا نوعيا، والحدود أخذت في التلاشي أمام انتقال المعلومات والبضائع، والتدخلات الدولية صارت أمرا واقعا، وتطور ورقي مستوى العيش في مناطق أصبح مغريا. لقد بقيت التنظيمات المتطرفة متوافقة مع أمريكا في نزوعهما معا لتفكيك الكيانات الموجودة وإعادة تركيبها من جديد، فقط في هذا الأمر يتوافقان، وهذا سبب كاف وواضح لوجود تحالف صدفوي بينهما. المتطرفون يعتبرون كل تمدد انتصار، في حين يعرف غيرهم أنه جزءا من مخطط متكامل لزعزعة المنطقة. وفي الأخير يتضح لهاته التنظيمات أن دولتهم تتفكك وتنظيماتهم تنزف. وبعد النزيف هناك يتم نقلهم لمكان 0خر، حيث يصبحون مرة ثانية وثلاثة جزءا من وقودا وسيلة لمخططات غيرهم دون أن يعلموا بذلك. التاريخ يؤكد لنا كيف استغل الإنجليز محمد بن عبد الوهاب لضرب الدولة العثمانية، وكيف استثمر الغرب الجهاد الافغاني لهزم السوفيات، وكيف استغل الأمريكان والروس والإيرانيين تنظيم الدولة وباقي الفصائل لتدمير سوريا. فلا أفغانستان صارت ولاية إسلامية، ولا تغيير حصل في سوريا، ولا محمد بن عبد الوهاب أسس الخلافة المشرقة في أرض الحرمين.