صرخة يأس وغضب، صرخة جلاء عن وطن يُدِين أبناءَه الأبرياء، وطن عاق بأبنائه الأوفياء، منذ "الربيع العربي" إن جاز للتاريخ أن يسميه هكذا إسما، تقوقع المغرب في أقصى غرب قارته السمراء، وحده في ركن انفرادي ينتظر الانتظار، ينتظر الانتظار و مازال.... تتالت الهتافات بكون المغرب حالة استثناء، و تتالت معها مبادرات تغطي البلل المستنقع في الأعماق، مبادرات ترقيعية تُرسِّي الكائن كائنا في موقعه، و تَنفي المنفي إلى أبعد الأرجاء، فيتسلل الاستفهام ذاته إلى أذهاننا ليفرض نفسه علينا، و ليعيد اليأس و الإحباط ذاته المتعشعش في كياننا ، هل للمغرب فعلا إرادة للتغيير؟ سؤال لا نحتاج للإجابة عنه كثيرَ تَمَعُّنٍ؛ إذا ما تتبعنا الأحداث منذ آخر إصلاح دستوري إلى الآن، و لست هنا بموقع يسمح لي بأن أتقمص دور محللة سياسية، لكن المواطن المغربي البسيط يستطيع أن يُعاين هذا الشرخ الكبير بين سَنِّ القوانين و بين إرادةٍ تنفيذها وتحصيلِ أهدافِ ما بَعْدَ تنفيذها، و هنا يكمن التساؤل أيضا؛ لماذا تُسَنُّ القوانين؟ ألِأهداف تنحو نحو طريق يَضْمَنُ العدالةَ و المستقبلَ الأفضلَ للمواطنين؟ أم تُسَنُّ لضرورة سَنِّهَا فقط؟ لقد تَمَّ إنهاكُ المواطن المغربي بين الأمَلِ في التغيير و بين اليأس من تحصيل غَدٍ يَضْمَنُ له ولِخَلَفِه أدنى شروط العيش الكريم، و الواقع لا يوحي إلا بترسيخ ما هو كائن؛ فالمشهد السياسي لا يَعْدُو أن يكون إلا كلوحة شطرنج تتبدل فيها المواقع في كل فصل انتخابي، و الحال أنه لا يزيد عن كونه تحصيلُ حاصِل؛ يكون فيه المواطن هو ذاك البيدق الذي يُوَطِّدُ ويَضْمن المواقع لأصحابها كضريبة على مواطنته، بينما يظل الواقع على ما هو عليه. لقد اهتزت القلوب مؤخرا لفاجعة ما يقارب 50 قتيلا، فسال مداد كثيرين كما سالت دماء الضحايا في انتظار غوث من ينقلهم إلى مثواهم الأخير، لكن أحدا لم يتساءل: إذا كان المغرب حالةَ استثناء، ألا يُستبعد أن يكون المغرب أيضا استثناءً في التغيير؟ فالأمثال التي تتردد على ألسنتا توضح هذا الطرح " إذا كنت في المغرب فلا تستغرب"، فلماذا نستغرب من واقع نشأنا في ظله و اعتدنا عليه؟ أما الغريب في نظري هو أن تحضر الإسعاف مع أول هاتف؟ و أن يضمد جرح المصاب قبل أن يُهرق دَمُهُ انتظارا، لأننا في الحقيقة تعودنا على " زْهْقَاتْ الرُّوحْ فِينْ لُومْبِيلاَنْسْ". وأغرب الغرابة في نظري أن يُريدَ التغييرَ ذاك السياسيُّ و ذاك الحزبيُّ وذاك المتحكمُ في اقتصاد هذا البلد العزيز، فأي مصلحة لذاك المنتفع من عرق فقير في أن يُغنيه، فالمشكلة متأصلة في الإرادة أكثر منها في آلياتها و في إمكانيات تحقيقها، و لعل إرث الكراسي في شتى المناصب في هذا البلد أصبح شيئا معهودا لا يوحي ولو بعلامة استفهام، كأنه حق إلاهي تستأثر به تلك الفئات على حساب باقي الفئات الأخرى في مجتمعنا. والعجب أكبر العجب، أن تتوفر إرادة التغيير لدى أعلى قمة في هذا البلد، كما تتوفر الرغبة في التغيير لدى القاعدة العريضة من الشعب، بينما يظل التغيير في حد ذاته مرهونا بين هاته وتلك