حذرت وزارة الصحة من انتشار داء الكوليرا بالمغرب، ودعت المغاربة إلى تجنب استعمال ماء الروبيني للشرب، كنوع من الوقاية من هذا المرض، نحن هنا بصدد حجة سببية ساقتها الوزارة في سياق مواكبتها لخطر الكوليرا الذي بات كابوسا جاثما على رؤوس المغاربة، وقنبلة موقوتة لا يدرون متى ستنفجر، وكيف، وكم ستخلف وراءها من الخسائر، والمعطى الواضح الذي سُلطت عليه الأضواء هو ماء الروبيني الذي يبقى المتهم الرئيس في ما يمكن أن يؤول إليه وضع المغاربة من تدهور صحي نتيجة الإصابة بهذا الداء، إذ سيكون سببه المباشر، ومن المعلوم في الأدبيات الطبية أن الماء الملوث سبب للإصابة بمجموعة من الأمراض من بينها الكوليرا، وهذا يقودنا إلى الاستعانة بالقياس المنطقي للوقوف على الفعل الإنجازي الذي يروم الخطاب الرسمي في شخص وزارة الصحة تبليغه للمواطنين: الماء الملوث يؤدي إلى الإصابة بداء الكوليرا ماء الروبيني ملوث، إذن ماء الروبيني يصيب بداء الكوليرا. هذه النتيجة تضعنا في زوبعة تساؤلات محيرة تَزرع أشواكها بقوة في ذواتنا، ما يجعل الحفر والغوص في خضم السؤال مهمة صعبة لا يظفر صاحبها من ورائها سوى بالجروح الغائرة، نتساءل هل أنجزت وزارة الصحة تحليلات دقيقة للمياه المصدَّرة إلى بطون المغاربة، ووقفت على مدى صلاحيتها للشرب؟، وإذا كان الأمر كذلك، فمتى أنجزت هذه التحليلات، وما النتائج التي أسفرت عنها، أو ما الأمراض التي يمكن أن تصيب المغاربة عن طريق هذه المياه؟، وكم من مواطن أصيب بمرض ما بسببها، ولم يجد في مستشفيات الصحة العمومية علاجا، إلى أن تدهورت صحته، أو وافته المنية؟، ألا تتحمل الوزارة المسؤولية القانونية والأخلاقية بتكتمها على الأمر وترك المواطنين وجها لوجه مع الموت؟، ثم إذا كان ماء الروبيني بهذه الخطورة، فهذا يطرح سؤال الفاعل، فهذا الماء تقف وراءه مؤسسة وطنية تستخلص ملايير السنتيمات شهريا من جيوب المغاربة، ويفترض أن تقوم بواجبها في توفير "الأمن المائي" وجلب ماء نقي لزبنائها من المواطنين نظير ما تتسلمه منهم من أموال عرفت كيف تضاعفها، ولم تعرف كيف تصون منتوجها وتحصنه من ضميمة الإصابة بداء الكوليرا؟. لنترك السؤال وعلامات استفهامه المسننة جانبا، رغم أن خيار الافتراض الذي سنفر إليه منه لن يكون أرحم، لأنه سيضعنا أمام مفارقة غريبة تحتاج إلى التسلح بالخيال لفك طلاسيمها، فنحن، بهذا الصدد، أمام احتمالين لا ثالث لهما: أولهما أن الوزارة ربما تكون على حق، وأنها ناصح أمين يخاف على صحة المغاربة، ولا يريد لهم السقوط في هاوية هذا المرض الفتاك والرهيب، لكنه ناصح رعديد لا يمتلك شجاعة تسمية الأشياء بمسمياتها، ويكتفي بالإشارة، معولا على ذكاء المغاربة في ملء الفراغ واستنتاج الباقي المسكوت عنه، اعتمادا على المثلين القائلين: "اللبيب بالإشارة يفهم" و "تفسير الواضحات من المفضوحات"، وهذا الافتراض، إن صح، تتأسس عليه نتيجة خطيرة، ستتحول معها وزارة الصحة، المؤسسة الرسمية، إلى محرض للمواطنين ضد مؤسسة رسمية أخرى "المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب"، وسيكون نداؤها هذا فعلا إنجازيا يتجاوز الإخبار إلى الحث على الاحتجاج على هذه المؤسسة، والتظاهر ضدها. وثاني الافتراضين يضعنا في صلب أسلوب مغالطي يروم خداع المغاربة وبث الرعب في نفوسهم لمآرب أخرى تصب في خانة خدمة شركات المياه المُعَبَّأة، ما يفضي بنا إلى نتيجة مؤداها أنه إذا كان منطوق الكلام يتوقف عند الإشارة إلى العلاقة الرابطة بين ماء الروبيني و الإصابة بداء الكوليرا، فإن مدلوله يقول إنه ملوث، ومادام كذلك، فإن البديل الذي يجب الاحتماء به هو الماء النقي، ماء القنينات المعبأة. هاهنا ستتحول وزارة الصحة إلى مؤسسة إشهارية تقوم بدور التسويق لمنتوج تجاري اعتمادا على أسلوب مغالطي عزف على وتر الصحة، وأراد أن ينخرط من خلال تردداته في صلب النقاش الدائر حول المقاطعة، خصوصا أن جريدة تابعة لحزب مشارك في الحكومة نشرت مؤخرا تقريرا أسود حول ما سمته أكذوبة المياه المعدنية، وأشارت إلى تسبب هذه المياه في مرض السرطان بسبب التفاعل بين مادة البلاستيك والعناصر المكونة للماء. في هذه الحالة سيلعب نداء وزارة الصحة وظيفة الرد على تقرير جريدة وزيرة الماء المعفاة من مهامها، ليعيد الاعتبار التجاري إلى "المياه المعدنية" بطريقة سلسة لا تثير توابع أو زوابع، وهو ما سيحول الوزارة إلى مستشهِر يستغل موقعه وخصوصيته لتقديم وصلات إشهارية تتأسس على المغالطة. إن صح هذا الافتراض، نتساءل من جديد، وفي العودة إلى السؤال امتشاق للشوك المدمي الحارق: ألا تعرف الوزارة أن فئة كبيرة من المغاربة لا تحصل خلال يوم كامل على ما يمكن أن يسد عطشها إن هي لجأت لاشتراء "المياه المعدنية"؟ ألا تعي الوزارة الوصية أن حاجة الإنسان من الماء في هذه الأجواء الحارة تصل، وقد تتجاوز خمسة لترات في اليوم، ما يعني أن أسرة مكونة من خمسة أفراد تحتاج يوميا إلى 25لترا من الماء، بما قدره 125درهما يوميا، وهو مبلغ قد يشتغل المغربي أياما ليحصل عليه.