في عالم افتراضي صرف ، يعيش في واقع وهمي يجرده من كيانه . يشحن قلبه برومانسية خادعة ملؤها النفاق الاجتماعي . منشورات تدعو إلى الحجاب بجانبها صور للعري الفاضح . تناقض صارخ وازدواجية مبالغ فيها . إنها من اثر الاستلاب الثقافي و الاجتماعي الذي تعرض له ، حيث يغيب المنطق وتحضر العشوائية بقوة . عقيدة صحيحة تقابلها عبادات فاسدة وممارسات دينية لا يعي أبعادها وخطورتها . غفلة غير مفهومة ولا مبررة .. من أكثر الناس دعوة إلى الإيمان بالله ، لكنه لا يبرح مكانه عند أذان الصلاة ، بل يظل يقبع أمام حاسوبه يواصل الدعوة إلى الإيمان والى إقامة الصلاة بحماس يقابله جهل مطبق بالذات . هو أشبه إذن بحاسوبه : آلة تدعو إلى فعل الخير لكنها جامدة . وفي نفس الوقت يدعو الرب أن يسامحه ويتوب عليه ،" يا ستار العيوب استر عيوبنا "... في خضم ذلك يحاول أن يرسم صورة عند الأخر توهمهم بأنه فقيه العصر وداعيته ، وإمام المحدثين . يأخذ من الدين ما يناسبه ويطرح الباقي تحت يافطة "إنسان متفتح أو مسلم عصري " ، ويعلق إخفاقاته أو تنازلاته عن بعض القيم على مشجب الهروب من الغلو والتشدد : قبول الأخر والتعايش معه ، لسان حاله يردد " ولا تنسى نصيبك من الدنيا ..." ثم " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا..."، لكن أين هو الجزء الأخر لهذه الآيات و الأحاديث الذي يتم به الكلام ويستقيم به المعنى ؟ أيعقل أن يقف عند " ويل للمصلين " ؟ ... يُحملُ ورود حمراء وكلمات غزل درامية يقتبسها من مواقع شتى. فيقدمها لشابة افتراضية لم يسبق له أن إلتقاها ولا رآها ، غير أنها أغوته بصورها المثيرة المنشورة على حائطها ، يقيم معها علاقة وهمية في عالم افتراضي ، حتى انه غير متأكد أحيانا هل المتواصل معه حقا ذكرا أم أنثى؟ !! لكن يظل يوهم نفسه بأنه " يعرف ما يفعل أو ما يريد " .... يسير وفق الكلام المعسول ، يحب أن يمدح بما ليس فيه ، ويكره أن ينتقد بما فما فيه . وفيٌ لقصائد الحب وكل ما له ارتباط بالرومانسية ، يحلم بحدائق لندن و عطور باريس ... من مقطوعات "سيلين" إلى قصائد "نزار" إلى ترانيم "جبران"... يمضي ويتنقل باحثا عن كلمات العشق والغرام ل"يغذي الروح "!!!.. رغم كل هذا وذاك يظل يعيش في هم قاتل ، فراغ مخيف ، صراع متواصل مع الذات وكذلك مع الأسرة و الأهل . فما يعيشه في هذا العالم بعيد عن الواقع ، كذب على الذات وخداع للنفس ، من حزن إلى هم إلى اكتئاب و نكد ... هذه هي حال الشاب الرومانسي الذي هو من أكثر الناس ضعفا في الأمة .
هائم في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه لا هدف ...يمضي في عبث، يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض حتى إذا بحث عن ذاته لم يكد يتبين في أي مقام يتواجد . ينتحل شخصية ابعد ما تكون عن شخصيته الواقعية . فيصبح مثل الغراب الذي حاول أن يقلد مشية الحمامة ففشل ، وبعدما اقتنع بفشله حاول أن يعود إلى مشيته الأصلية فلم يقدر لأنه نسيها ، فصار يتعثر كلما حاول المشي .. لقد أضاع الشاب سبيله ولم يستطع أن يساير واقعه ..
معظم العلاقات التواصلية الافتراضية هدامة حقا لأنها تقوم على وهم الرومانسية الخادعة بين الشباب ، مبنية على الكذب والتضليل ، تنتج عنها أفات اجتماعية خطيرة تنخر جسم المجتمع ، تتجلى بوضوح في الازدواجية التي تفرزها والتناقض الذي تنطق به . فهذه صور لامرأة عارية تعرض مفاتنها بجوارها منشورات تحمل أحاديث نبوية تحث على الحجاب . وذاك نص شعري طافح بالغزل الفاحش يعلوه اقتباس للإمام الشافعي عن الصدق والعفاف ، ويضع صاحبها علامة الإعجاب عليهما معا ؟؟؟ ...
مثل هذه التناقضات نعيها وندركها لكننا نستسلم أمامها ونقف أمامها موقف العاجز. في الكثير من الأحيان نغطي عليها بكلمة " عادي نورمال " . في الفايسبوك يتجلى الواقع المزدوج لكن بتناقض أكثر .وما يميزه انك لا تستطيع فيه قراءة الملامح أو شم الروائح . كل ما هنالك هو أن الجميع يتسابق إلى وضع أحسن الصور، وأجمل العبارات وابلغ التعاليق . تتهافت الفتيات على التقاط صور جذابة تكون بمثابة مصيدة إغراء . ولا غرابة أن تجد فتاة وضعت لها صورا شبه عارية أو استعارت صورا لفنانات أو ممثلات . كل هذا لتنجح في استقطاب عدد هائل من الشباب المائعين . حتى انه قد تكفي كتابة اسم مغري أو ملفت لتهافت الشباب على طلب الصداقة من هذه الفتاة ، التي توافق عليها جميعا دون تمحيص سعيا للحصول على رقم صداقات يفوق رقم صديقتها أو منافستها ، مما يعني أنها مقبولة أو مطلوبة من طرف الشبان ...
في الفايسبوك ازدواجية في القيم و في الأفكار بل حتى في القدوة ... صراع بين الهدم والبناء . فمع الإحساس بالحرية ، وبعيدا عن الرقابة ، وفي ظل أسماء مستعارة ، يتحرر الفايسبوكي من الكبت والقيد الممارسين عليه في العالم الواقعي ، ليحاول أن يعيش حياة مثالية مما يخلق لديه التناقض فيعيش في حيرة ، وضغط متواصل قد يصل به إلى حد الكآبة ... كل هذه الازدواجية ناتجة عن عوامل متعددة . . .