واهم من يظن أنّ القدس ستنتصر عبر شعارات حكّامنا، وواهم من يعوّل كثيراً على خطابات الزّعماء في دول العالم العربي وفي دوّل المغرب الكبير، وواهم أيضا من يعتقد أنّ هؤلاء سيتدخّلون للرّدّ على قرار الرئيس الأمريكي ترامب الرامي إلى الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. الشّعوب العربية تنتصر للقدس وتبح حناجرها من أجل الأقصى، وطالما تطالب حكامها بالتدخل لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض بأبشع الجرائم، لكنّ السّؤال المطروح هو هل بمقدور هؤلاء الحكّام الذين يحكمون شعوبنا إلى ما لا نهاية والذين يحكموننا بمباركة أمريكية أن يتجرّؤوا على أمريكا ؟
لا أحد من هؤلاء الزّعماء يستطيع أن يخطو خطوة تجاه القدس وتجاه القضيّة الفلسطينية، ولا أحد من هؤلاء يستطيع أن يُطالب الغرب باتّخاذ مواقف إيجابية تجاه القضية، وإن حدث أن قام بعضهم بذلك فإنّه يقوم بذلك بعد استشارة أمريكا.
الزعماء في العالم العربي وفي دوّل المغرب الكبير كانوا ولازالوا مجرّد أحجار شطرنج في يد الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل والتاريخ مازال شاهداً على ذلك منذ عقود، فكيف نريد من هؤلاء أن ينتصروا للقدس وللقضية.
حكامنا يبحثون فقط على ما يمكّنهم من البقاء في السّلطة إلى أجل غير مسمّى، يبحثون فقط عمّا يساعدهم في استعباد شعوبهم ،ويبحثون عمّا يحفظهم من شرّ الثورات،أمّا فلسطين بالنّسبة لهؤلاء مجرّد قضيّة للاستهلاك ومجرد قضية لإطالة أمد حُكمهم . الطّغاة يعرفون أنّ أمريكا هيّ التي تحمي استبدادهم كما أنّها هي التي تحميهم من ثورات شعوبهم وهي القادرة على الزّجّ بهم في السّجون أو تقديمهم للمقصلة إن هم خرجوا عن الخط الذي رسمته لهم، لذلك لن يَجرُؤُوا حتّى على مناقشة القضايا البسيطة التّي تهمّ مستقبل شعوبهم، أما قضية فلسطين فهي قضية أكبر بكثير من هؤلاء جميعا.
التّاريخ لا يعيد نفسه، ولكن خيّانات الطّغاة الذين يحكمون شعوبهم إلى ما لا نهاية هي التي تتكرر ،لنعد قليلًا إلى الوراء لكي نعرف حقيقة هؤلاء الذين يخرجون علينا بتصريحات محتشمة تجاه القدس والتي نظن أنها لن تغيّر شيئاً من الواقع . قرار ترامب بجعل القدس عاصمة لإسرائيل سبقته أحداث جسام لم يُحرّك تجاهها العرب ساكنًا اللّهم إذا كانت الجعجعات بلا جدوى.
من يحملون بيارق البطولة المزيّفة، ومن يسترزقون على حساب القضيّة الفلسطينية هم الذين أوصلوا القضيّة إلى ما هيّ عليه، وهم الذين تنازلوا عن القضيّة مقابل أن يُحتفظ لهم بعروشهم . ولك أن تعرف حجم المؤامرة التي يحيكها الطّغاة مع أمريكا مقابل أن ينعم هؤلاء بالسّلطة في بلداننا .
كلّنا نعرف أنّ المسجد الأقصى تعرّض لأكثر من مرة للاعتداءات، كما يتعرض الشعب الفلسطيني للإبادة الجماعية في كلّ مرّة ولا نجد لهؤلاء أصواتاً تُندّد بتلك الجرائم، فأصوات هؤلاء من صوتها تخاف.
لنُذكّر هؤلاء بأكبر عملية قام بها الصّهاينة عندما قاموا بإحراق المسجد الأقصى سنة 1969 فكان العرب أنذاك قد اجتمعوا وعقدوا قمة للانتصار للقدس ،لكن ذلك لم يكتب له النجاح بسبب خيانات الكثير منهم أنذاك .
ولنُذكّر هؤلاء بمنظّمة المؤتمر الإسلامي، المنظّمة التي تعهّدت بالانتصار للقدس بجميع الوسائل والتي تعهّدت بتحرير الأراضي الفلسطينيةالمحتلة من براثن الاحتلال الصّهيوني حتّى بالوسائل العسكرية.
ماذا عن هذه المنظّمة ألم تمت المنظمة بسبب تخاذل هؤلاء الحكّام ؟
المنظّمات العربية والمؤتمرات التي تُعقد من أجل نصرة القدس، ماهي إلى فزّاعة يستعملها الحكّام لتوطيد حكمهم ولمنح أنفسهم مزيداً من الوقت لممارسة الاستبداد على شعوبهم. من أضاع القضيّة، ومن عاث فيها خرابًا ، ومن باع القضيّة ليست أمريكا وليس الغرب وإنّما باعها هؤلاء الذين يجثمون على صدور الشعوب، باعها هؤلاء الذين يسترزقون على القضّية، وباعها هؤلاء الذين يساومون على القضية المصيرية للأمة. نحن نعرف أنّ هؤلاء يعرفون أكثر أنّهم لا يستطيعون أن يُحرّكوا ساكناً تجاه ما يحدث في القدس وفي غيرها من الأراضي المحتلّة ،ولن يجرؤ أي أحد منهم على الإساءة إلى حكّام البيت الأبيض ولو بتصريح ،ولكن كلامنا موجه إلى شعوبنا المغلوبة على أمرها والتي تصدّق ما يقال حول القضيّة والتي تنتظر من هؤلاء الزّعماء أن يتحرّكوا نصرةً للقدس وللقضية الفلسطينية .
أيّها السّادة فاقد الشيء لا يعطيه، من يتملّق لأمريكا أن تنعم عليه بمزيد من الوقت للبقاء في السلطة، لن يستطيع نصرة القدس، ولن يؤثر في القضية كيفما كان وضعه . كل ما نسمعه في الإعلام حول محاولات البعض للتّصدي لأمريكا ، وكل ما نسمعه عن تنديدات البعض هي مسرحيات مشروخة اعتدنا عليها وسئمنا من سماعها، وهي لا تعطي أي إضافة للقضية بقدر ما تعطي المزيد من الوقت لإسرائيل لكي ترتكب المزيد من المجازر في حق الشعب الفلسطيني .
مشكلتنا أيها السادة أنّنا لم نتحرّر من الطّغيان ومازلنا نعيش تحت الاستبداد، ومازلنا نعيش الاستعباد في أرقى تجلياته، ومع ذلك نتوق إلى تحرير القدس، ونطمح إلى استعادة الحقوق للشعب الفلسطيني .
كل الشّعوب العربية وشعوب دول المغرب الكبير تعيش في ظل ديكتاتوريات تستعبد البشر والحجر ولا تبقي للإنسان حتى المجال لكي يتنفس، فكيف تريد من هؤلاء أن يحرروا فلسطين؟
شُعوبنا لم تتحرّر من العبودية و مازالت تحكمها ديكتاتوريات فكيف لمن يعيش تحت الاستبداد والقهر والظّلم أن يطالب بتحرير القدس ؟
ما نحتاجه الآن أيّها السّادة في أوطاننا العربية وفي دول المغرب الكبير، قبل أن ندعو هؤلاء الحكام لكي ينتصروا للقدس وللقضيّة الفلسطينية هو أن نطالبهم بالديمقراطيّة وبالعودة إلى صناديق الاقتراع الشّعبية، لأنّه يستحيل كل الاستحالة أن ننتظر من هؤلاء الذين يفضّلون الموت على أن يُزاحوا من الكراسي أن يُحرروا القدس أو على الأقل أن يتخذوا مواقف إيجابية ممّا يحدث على الساحة الفلسطينية .
القدس لن تتحرّر عبر التسلّط ولن تنتصر عبر الديكتاتورية، ولن تتحرّر بالأشعار ولا حتى بالخطابات الرنّانة،القدس ستنتصر عندما تتخلص شعوبنا من الطغاة ،وستتحرر عندما تتنفس شعوبنا الحرّية .
نتفهّم تعاطف الشّعوب مع القضّية الفلسطينية، ونتفهم حجم الغضب الذي ساد في أوساط الأحرار في كل العالم، فهذا طبيعي ومن الأشياء التي تجعلنا نعتقد أّن الشعوب ماتزال بخير، ولكن هذا لا يكفي فالتّخلص من الاحتلال الإسرائيلي يحتاج إلى أن تتحرر الشعوب من قيودها أولا وأن تقطع مع آلهتها التي تحكمها إلى أن يشاء الله .