قد تعتقد بأن التسوق الالكتروني أو شراء الملابس والتردد على الأسواق بإفراط نشاط طبيعي غير ضار، إلا أن هذا التصرف الذي يقوم على مبدأ التعويض أو المكافأة، يعد شكلاً من أشكال الإدمان، فهل هو مرض؟ وهل يمكن الإقلاع عنه؟ شراء الأشياء عبر الإنترنت من خلال بضع نقرات، يجعل من التسوق أمراً مسليا، وغير ضار نسبياً لمعظم الأشخاص. إلا أنه قد أن يؤدي بالبعض إلى الإنفاق المتهور الذي يخرج عن السيطرة. فيشترون أشياء لن يستخدمونها وينتهي بهم الحال إلى جمع كميات هائلة من مقتنيات ليست ذات فائدة. وتحدث مشكلة أكثر خطورة عندما تتراكم عليهم الديون وينتهي الحال بهؤلاء الأشخاص بالانكفاء على أنفسهم، دون وظيفة، أو شريك، أو أصدقاء وقد يجرهم إلى ما هو أسوأ. يحتاج الأشخاص الذين يعانون من سلوك تسوق مرضي إلى الدعم، بحسب البروفيسور نينا رومانتشوك-زايفرت، كبيرة الأطباء النفسيين في مستوصف الطب النفسي والعلاج النفسي في مستشفى شاريته الجامعي في برلين. غير أنه قبل أن يتلقوا المساعدة، يحتاج المرضى إلى الاعتراف بأن انغماسهم السابق غير المضر يوماً في التسوق أصبح إدماناً. ويُعد الشراء القهري شكل من أشكال الإدمان الذي لا صلة له بمواد معينة. وعلى عكس إدمان المخدرات مثلاً، لا يشتهي الشخص المصاب مادة مثل الكوكايين أو الكحول، ولكن بالأحرى نشاطاً. غير أن الآليات مماثلة إلى حد كبير، بحسب الأستاذ أستريد مولر، من عيادة الأمراض النفسية الجسدية والعلاج النفسي في كلية طب هانوفر. وفي الحالتين، ينشط نظام مكافآت عندما يواجه المدمن ما يدمنه، سواء إن كان قنينة نبيذ أو حذاء جديد. وحتى الآن هناك شكل واحد من أشكال الإدمان، غير مرتبط بمادة معترف بها رسمياً كمرض، وهي إدمان القمار. ومن الصعب تحديد عدد الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة، نظراً لأنه، بين أشياء أخرى، يصعب تحديد اللحظة التي يصبح فيها من يعاني من الشراء القهري مدمنا. وأظهر تحليل مستند إلى دراسات من عدة دول أن هناك في المتوسط نحو 5 في المئة من السكان يعانون من الشراء القهري. ويقول الأستاذ كارل كولمان الذي أجرى بحثاً عن الشراء القهري لصالح غرفة العمل النمساوية (أربياتركامر)، إن الكثيرين يسعون لتخفيف الضغط الذي يتولد في نهاية يوم عمل مجهد بمكافأة أنفسهم بشراء سترة جديدة. ويضيف أن الاستهلاك هو أبسط شكل من أشكال الدواء عندما يتعلق الأمر بالتعويض عن إحباطات الحياة اليومية. هذه ليست المشكلة في حد ذاتها، بيد أن الأشخاص المصابين بالشراء القهري يفقدون السيطرة على هذه الآلية. تتعزز هذه الظاهرة بالخيار الإضافي للتسوق عبر الإنترنت، دون أن يراك أحد وبنقرة على الفارة، ودون دفع نقدي. يجعل التسوق عبر شاشات التلفزيون وتصفح الكتالوغات، والبيع عبر الإنترنت، المنتجات متوفرة في أي وقت وفي موعد تسليم قصير للغاية. ويقول مولر إنه: " على عكس مدمن المخدرات، المصاب بالشراء القهري لا يبدو عليه أبدا أنه في هيئة سيئة ". وعادة ما يكون العكس تماما، فإنهم يميلون للتأنق في الملبس. غير أن المحيطين بالمرضى غالباً ما يعتقدون أنهم ضعيفو الإرادة الأمر الذي يعتبر وصمة مؤلمة. وأول شيء يتعين على المدمنين فعله في العلاج هو تحديد المواقف التي تثير عمليات الشراء الخارج عن السيطرة. ويقول مولر إننا ننصح المريض " بالبحث عن طرق أخرى لمكافأة النفس غير شراء قطعة ملابس مثلاً غير ضرورية ". وتماما مثل المدمنين الآخرين، لا يشفى المصابون بالشراء القهري بالكامل. إنهم بحاجة إلى تعلم كيفية السيطرة على الاندفاعات واستدامة هذه السيطرة طوال حياتهم.