إجماع كل المهتمين، منهم أفارقة العالم، أن خطاب الملك المؤسس داخل قمة الإتحاد الإفريقي بأديس أبابا يومه 31 يناير، لم تعهد الساحة السياسية والإجتماعية الإفريقية مثله من حيث صراحته وعفويته، حيث أكدوا جميعا، أن خطاب الملك كان واضحا ويلامس القلوب، ويبعث بالثقة في نفوس المواطنين الأفارقة، بل ويجعلهم أكثر إيمانا بمستقبل شؤونهم الإجتماعية ومصالحهم السياسية والإقتصادية، فالخطاب كان حافلا بالإشارات والرسائل المحمولة على تفاؤل صاحب الجلالة وثقته بأصدقائه القادة الافارقة، ومُحمل بالدلالات والمعاني العميقة التي تربط المغرب بالبيت الإفريقي. فنمط الخطاب وطريقة إلقائه، تفردت عن الخطابات السابقة، فيها تأكيد على الجدية والإهتمام بالأفارقة ومصالحهم، وفيها توضيح المعاني لمن يُعرقلون الأمور في حجة المعارضة والخصوم، كما أن المحاور التي تظمنها الخطاب مهمة جدا من حيث التوقيت بإعتباره دقيقا ومناسبا ما يزيد من الثقة بأن المغرب يسير في الإتجاه الصحيح وإنه على الدرب ماضي رغم كل التحديات. كما تضمن الخطاب إجابات مهمة عن تساؤلات المرحلة الراهنة للإتحاد الإفريقي، بتوضيحه وبصورة حقيقية التحديات والظروف التي فرضتها أوضاع سياسية وإقتصادية على البيت الإفريقي، مذكرا الجميع بمشروع المملكة المغربية القائم على التسامح والحوار وكرامة الإنسان.
فإفريقيا بحاجة إلى عقول وسواعد البناء، والخطاب هو خريطة الطريق الديمقراطي الجديد لكل الأفارقة، حكومات ومسؤولين وبرلمانيين ومواطنين، لإنه بمجمله صادر عن قلب وضمير ملك مؤسس، وموجه لقلوب وضمائر كل المواطنين الافارقة، لإعتبارات كثيرة تبدأ بضخامة الإنجازات التي عقدها المغرب مع كثير من الدول الإفريقية تحت القيادة الرشيدة للملك والتي تؤشر بحترام بلدان العالم للمغرب والعلاقات المبرمة بينه وبين دول صانعة للقرارات في منظومة العلاقات الدولية، ومواقف جلالته الأخلاقية والوطنية والإنسانية التي مكنت من بناء وطن أصبح حديث العالم دون إمتلاك ثروات مادية.
فالوحدة الإفريقية تأسَّسَت على خطاب ثقافي نهضوي لتحرير الشعوب الإفريقية من الإستعمار، وضعَ أسسه المغفور له الملك محمد الخامس الذي كان بلاطه محجاً للقادة والمجاهدين والمفكرين الأفارقة، حيث ظل هذا النهج مستمراً في عهد الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، إلى غاية سنة 1984 حيث إنسحب المغرب من المنظمة، وظل الأمر مستمراً حتى عهد الملك محمد السادس حيث بدل جلالته كل الجهود لإسترجاع المغرب لمكانته داخل المنظومة الإفريقية، فتحقق ذلك خلال قمة أديس أبابا وإستعاد المغرب مقعده داخل الإتحاد الإفريقي، وأصبح الرجوع صدمة ونقطة تحول تاريخي داخل الإتحاد.
كمغاربة داخل وخارج الوطن، يحق لنا أن نفاخروا بملكنا المؤسس، ويحقُّ لكلِّ منا أن يعتز بهذه العودة للبيت الإفريقي التي هي إحدى بوابات الإنتصارات المتتالية للمغرب، لأنَّ الوطن أصبَحَ في عهد إمارة المؤمنين نموذجا للدولة الحديثة والعصرية، فكان مساحةً مضيئة على خريطة العالم لتميزه بنهجه الوسطي المعتدل القائم على التنوير وتحالف الحضارات والتنوع الثقافي والمؤتمرات العالمية التي يلعب المغرب فيها دورا فاعلا بفضل الإستراتيجية الملكية والدبلوماسية الراشدة، إلى جانب إنفتاحه نحو الآخر وعلى مبادئ عبرعنها جلالته في خطابه داخل قمة أديس أبابا.
فالإستراتيجية والدبلوماسية الملكية شهِدَت تطوُّراً ملحوظاً منذُ بداياتها، واستطاعت أن تنوع أعمالها من ثقافي وإجتماعية إلى إقتصادي، مبية على عدة أفعال جاءت ضمن حزمة مشاريع قام بها جلالته داخل إفريقيا، منها مصانع الأسمدة وقطاع الخدمات وأنبوب الغاز والتنمية البشرية والأمن الغدائي وحفظ السلم. كل هذه المشاريع تهدف للخروج بالثقافة الديمقراطية من مركزية الفعل، باتجاه الجهوي والدولي ثم القاري، تحقيقا لمبدأ عدالة توزيع الثروات والمكتسبات الثقافية والتنموية، وترجمت لرؤى جلالة الملك محمد السادس التي تضع التنمية الشاملة والتنمية البشرية في سلم أولويات الدولة داخل الإتحاد الإفريقي.
كمغاربة خارج الوطن نتطلع بكل شوق وحنان إلى راية النصر الملكية التي تحتضننا وباقي إخواننا بأرض الوطن في كل زمان ومكان، نتطلع لكل رسالة مولوية ونتعامل معها بمسؤولية وطنية عالية، ومن هذه الرسائل أن الملك يقف على مسافة واحدة من الشعوب الإفريقية سواء كانوا داخل أو خارج القارة الإفريقية، نستقرأ من خطب جلالته كل مايجب العمل به على الساحة الدولية بكل التفاصيل ودقائق الأمور ونعمل على نشرها بين كل المسؤولين والإعلاميين ووسائل الإعلام والصحف داخل بلدان الإقامة، ونقفوا أمام الذين انتهجوا سياسية التحريض والتعبئة ضد مصالح الوطن والوحدة الترابية وفي مقدمتها السلطة الجزائرية وجمهورية تندوف.
فجميع المواطنين المغاربة داخل وخارج الوطن أمام مسؤوليات تاريخية للمرحلة المقبلة، بكل أطيافهم وأصولهم وأحزابهم ومنظماتهم وتوجهاتهم، أمام خطاب الدقة والموضوعية ، خطاب المسار الصحيح والطريق الشرعي الذي يريده الملك والمغاربة هو المسار والطريق الديمقراطي المتمثل عبر المؤسسات الدستورية البرلمانية الذي يجيب عل كل التساؤلات حول ظروف المرحلة الراهنة الوطنية والإقليمية والدولية التي تعيشها القارة الإفريقية