الثورة الرقمية، هي اللفظ الذي يطلق على العصر الحالي، منذ ظهور الحاسبات وأجهزة الحاسوب وغيرها من تبعات التطور التقني الحديثة، ويشمل كل الأجهزة التي تتعامل بالطرق الرقمية ** الإنسان المعاصر؛ اليوم في عجلة من أمره؛ فكل شيء يراه جميلا و يفيده في حياته يرغب في الحصول عليه بسرعة فائقة وبأي ثمن؛ أوتكلفة كانت ؛ لأن زمننا هذا زمن السرعة والجري والمطاردة للبحث عن السعادة والكرامة والراحة والعيش الكريم؛ وتوظيف جل الطرق والوسائل وكل الامكانيات المتاحة أمامه ذاتية كانت أو موضوعية لتحقيق ذلك .
فلهذا ترى أن الكل يجري و يسارع الخطى ، منذ بزوغ خيوط الفجر حتى مغيب الشمس، كالآلة التي صنعها بنفسه وقلدها في حياته بدون توقف؛ فالطفل والتلميذ والطالب والعامل والفلاح والتاجر وغيره من أصناف البشر جبلوا على الجري والمطاردة والسرعة منذ أن يفتحوا أعينهم على هذا العالم الذي أمسى قرية صغيرة بسبب لغة التواصل الحديثة التي هيمنت على سلوكاته اليومية. وهناك من يلقبه بعالم السرعة والصواريخ ؛ وقد تطاول فيه الإنسان الحديث على السماء واحتل فضاءه من خلال أقماره الاصطناعية والتي سهلت عليه كل شيء ليقضيه بسرعة فائقة في حياته؛ وما دامت حياته قصيرة فوق هذا الكوكب ونسبة متوسط أعمار الحياة حتى في الدول الراقية قد لا تتعدى بين 70و80سنة؛ فإنسان هذا الزمان يجع عمره كله ليلا ونهارا؛ في خدمة الآلة الصناعية التي ابتكرها وصار عبدا لها، وهي التي توظفه وليس العكس، بحيث تحول البشر إلى أرقام ولم يبق له اسمه الشخصي والعائلي المعروف به بفلان ابن فلان وفلانة ابنت فلان والذي يعرف به في وسطه الاجتماعي، ما دامت الأرقام اليوم قد هيمنت على حياته؛ وهو يعايش الثورة الرقمية بكل تجلياتها وتمظهراتها الخفية منها والظاهرة ، وحتى إذا ما أردنا أن نحصي للقاريء جملة من الأرقام التي في حياتنا، سنبدأ معه من البيت فهناك رقم المنزل والبطاقة الوطنية والهاتف القار والجوال ورقم للبطاقة البنكية ورقم للسيارة ورقم التأجير ورقم الحافلة التي يمتطي كل صباح ورقم المكتب ورقم الصندوق البريدي ورقم الحذاء ورقم القميص والأرقام السرية وما أكثرها ونحفظها عن ظهر قلب ؛ لأن الآلة فرضتها علينا كي تفتح وبذلك غيرنا المفاتيح المادية إلى أشياء مجردة تتمثل في أرقام ،وإضافة إلى الآلة ، هناك صديقنا غوغل هو الآخر ولا يعرفنا إلا كأرقام وكذلك باقي مواقع التواصل الاجتماعية الأخرى...
وما نراه اليوم وما نعايشه في مجتمعاتنا الاستهلاكية بأن هذا الموظف أو هذا الرقم المعروف لدى الخزينة العامة للدولة (رقم التأجير) ، وهناك من يسميه بالكائن الشهري؛ لارتباطه بالأجرة الشهرية ؛ فهو في سباق يومي ومحموم مع الزمن للحصول على الضروريات والكماليات من مأكل وملبس ومشرب ومسكن وغيره، ورغم أن راتبه الشهري لا يساعده على الحصول على أكثر من شيء لأن هناك حاجيات يرغب في الحصول عليها قد تضاعف راتبه على عشرات المرات. لكن النظام الرأسمالي العالمي فكر له في الحلول المناسبة، وهو يساعده بشتى الطر ق كي يصبح عبدا له عن طريق ما تقدمه له من عروض وتسهيلات سواء لشراء حاجياته أو الحصول على الأموال كقروض استهلاكية أو لشراء السكن؛ مما يدخل هذا الموظف البسيط في زمن القروض الذي لا نهاية له ؛ وعندما يتسلمها وهو فرحان؛ لا يعير اهتماما لنهايتها حتى سنة2022أو2026حتى يحصل المغرب على شرف تنظيم كأس العالم أو يوارى جسمه الترى.
وهذه القروض المتوسطة أو البعيدة المدى؛ لا بد أن تكون لها انعكاساتها الخطيرة على حياته بصفة عامة ويمكن أن تدمرها عن آخرها ؛وبذلك ستكون السبب المباشر في تحطيم مستقبله ومستقبل أسرته؛ أو تساهم في عيشه في جحيم لا يطاق لسنوات طوال يشعر فيها بالحرمان والحاجة والفقر؛ ومنهم لا قدر الله من يقدم على الانتحار، ظنا منه بأنه السبيل الوحيد للخلاص من معاناته ، أو يصبح مدمنا على الخمر أو القمار لعل الحظ يبتسم له في يوم ما بأرقام الخلاص .
وبالطبع كل هذا له أثره السلبي على الفرد والأسرة والمجتمع، وإذا ما رجعنا إلى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي لنقارنها مع ما نشهده اليوم من معاناة لكثير من الأسر بسبب هذه القروض، فنجد أن الموظف المغربي في ذلك الزمان كان بمنآى عن هذه الفصول التراجيدية التي تسببها هذه القروض؛ لأن البنوك المغربية كانت تضع شروطا جمة ، ولا يستطيع أي كان أن تتاح له فرصة الحصول على القرض البنكي؛ و أن مظاهر العيش في المجتمع المغربي كانت متقاربة؛ كما أن هناك عدة أشياء في ذلك الزمان كانت تعتبر من الكماليات أمست اليوم من الضروريات، لأن حياة المواطن العصري تعقدت بشكل كبير وحاجياته ازدادت هو وأبناؤه؛ وكل هذه التغييرات الاجتماعية كانت ناجمة عن التقدم العلمي والتقني والالكتروني الذي يعرفه العالم حولنا؛ كما أن النظام الرأسمالي العالمي له أهدافه ومخططاته الاستراتيجية عبر العالم لتبقى هيمنته على البشر من خلال ما تقدمه شركاته الاعتبارية من منتوجات عصرية ، ولابد أن يتم بيعها و ترويجها عبر القارات الخمسة؛ سواء عبر الإشهارات العالمية أو الغزو المباشر للدول من خلال فرض هذه المنتوحات كسلع استهلاكية؛ كما أن هذا الرأسمال العالمي الذي يتم ترويجه يعتبر أخطبوط مالي وتجاري وصناعي وثقافي تدعمه الصناديق الدولية بدعوى المساعدة على التنمية المحلية للدول الفقيرة والنامية ...إنه الاستعمار الجديد.
ولعل عصرنا الحالي قد عرف عدة تغييرات كبيرة على مستوى جميع مناحي الحياة العصرية، ومنها ميدان التواصل من خلال الثورة التكنولوجية والالكترونية الكبرى التي عرفتها البشرية خلال الألفية الثالثة؛ والتي وظفها في كل الميادين . وما حملته معها من
تقارب بين بني البشر عبر المعمورة ، وأمسى الإنسان آلة من هذه الآلات التي يستخدمها في حياته اليومية ، وصار يشكل أحد أهم عناصرها مادام هو العقل البشري الذي أبدع هذه العقول الكترونية لتخدمه وتسهل عليه الحياة وأصبح عبدا مطيعا لها.