لا يمكن لأي أحد كان، وكيفما كان مركزه الإداري والتربوي في نسق منظومتنا التربوية التعليمية بالمغرب، أن ينقل لنا الصورة الواقعية والحقيقية عن معاناة و مكابدة رجال ونساء التعليم العمومي خلال هذا العقد الأخير، داخل فصولنا الدراسية سواء بالمدينة أو الأرياف والقرى و المداشر، إلا هذه الفئة نفسها والتي تكون في احتكاك دائم ومتواصل ومباشر مع المتعلمين والمتعلمات من خلال مباشرتها وأجرأتها للعملية التعليمية التعلمية، وذلك في ظل التغيرات الكبرى والخطيرة والعميقة على عدة مستويات اجتماعية وثقافية وحقوقية وعلمية وتكنولوجية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية جمعاء ، بحيث لم تستطع مدرستنا العمومية المغربية مواكبتها، مما خلق للفئات المستهدفة من العملية التعليمية /التعلمية نوعا من الانفصام الثقافي فيما يعايشونه خارج أسوارها وما يتلقونه من محتويات دراسية لا تلبي رغباتهم و ميولاتهم الشخصية ومطامحهم المستقبلية كأطفال أو كشباب ومراهقين ، لعدة اعتبارات، منها بالخصوص ما أمسى يعرفه العالم الحالي من ثورة معلوماتية جارفة في مجال الإعلام والتواصل ؛ وانفتاح المتعلمين والمتعلمات على هذا العالم الافتراضي بشكل يومي عبر مواقع كثيرة و متنوعة للتواصل الاجتماعي والتي تجعل منهم عناصر فاعلة ومؤثرة في كل القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والبيئية، وغيرها ، والتي تهمهم كمواطنين يساهمون في تنمية ذواتهم وتطويرها من خلال البحث عن المعلومة والسعي لتطوير آليات التعلم الذاتي لديهم. والتي تخولها لهم الشبكة العنكبوتية العالمية عبر الأبواب الالكترونية؛ في كل المجالات المعرفية والثقافية والعلمية . والتي يختارون ولوجها لتحقيق ذواتهم، وتطوير قاموسهم اللغوي؛ وكتاباتهم من خلال المناقشة والحوار والتعقيب والرد، في عالمهم الافتراضي الجديد بشكل حي، بحيث تهيمن فيه الصورة الحية والمعبرة والفيديوات ، والتي أمست أداة مهمة في مراقبة وتتبع كل حدث كيفما نوعه وبأي مكان كان؛ من خلال موجة الهواتف الذكية التي صارت في متناول الجميع. وكل هذه المستجدات التقنية في عصرنا تعتبر ثورة حقيقية في تكوين شخصية المتعلم في الألفية الثالثة ؛ وللأسف وجدت المدرسة العمومية المغربية تخلف موعدها مع هذه السرعة الفائقة و التي يعرفها العالم في خلق المعارف وتجديدها والتزود بها بدون تحمل ولا معاناة؛ كما كان في الماضي، بحيث كانت وسائل التواصل التقليدية لا تتيح هذه الفرص الموجودة اليوم للمتعلمين والمتعلمات في عصرنا الحالي؛ وكانت ثقافة المدرسة تفوق ثقافة المتعلم أما اليوم فأصبح العكس هو السائد؛ فالمدرسة حافظت على سلوكات تقليدية في إيصال المعارف والمعلومات وتمركزها في مقررات ومناهج دراسية ، لا تثير لدى المتعلمين والمتعلمات الرغبة الأكيدة في التعلم والاندماج بالشكل الإيجابي في الحياة المدرسية الحالية. وفي ظل هذه المتغيرات السريعة لما يعرفه المجتمع والأسرة والشارع؛ وعدم قدرة المدرسة المغربية على مواكبتها من خلال تطوير نفسها ، وتلبية طلبات وحاجيات الفئات المستهدفة في جميع الأسلاك التعليمية ، يبقى الأستاذ والأستاذة الحلقة الأضعف في المنظومة والمتواجد الدائم في الخندق الأمامي ،داخل حجرات الدرس ليقدم دروسه اليومية في شتى المواد الدراسية بوسائل تعليمية تقليدية؛ لا تشبه الوسائل اليومية التي أمسى يستعملها الطفل والشاب في حياته اليومية لتطوير معارفه وتجديد معلوماته وتحقيق ذاته في عالم تكنولوجي شاسع، ليس له حدود عبر الوسائل المعلوماتية الحديثة من هواتف نقالة ذكية وحواسيب سريعة جدا وأي باد وغيرها .. فكيف يرضى بسبورة خشبية في عالم تكنولوجي حديث سريع التقلب والتجديد... وفي ظل هذا الواقع الجديد لمدرستنا العمومية المغربية؛ وعدم انفتاحها بشكل جدي وكبير على ما يعرفه العالم من تجديد في آليات التدريس ونقل الواقع الاجتماعي والثقافي والمعلومياتي للمتعلمين كي يعايشونه داخل فصولهم الدراسية تجعل من فئات كثيرة من المتعلمين تعبر عن رفضها للواقع المدرسي الحالي بسلوكات تقلل راحة بال هؤلاء الأساتذة والأستاذات داخل حجرات الدرس، وظهور العزوف الدراسي لدى المتعلمين بشكل كبير؛ ولجوء بعضهم إلى أشكال وأنواع مختلفة من الشغب ، مما يفقد على المدرس تركيزه وهو يلقي دروسه اليومية داخل فصول مكتظة جدا، يكابد ويعاني داخلها الأمرين من أجل ضبطها بسبب تواجد فئات كثيرة من المتعلمين قد يكون حضورها كغيابها ؛ ولربما جاؤوا سوى ليسجلوا حضورهم اليومي كالتزام أسري. ويظهر ذلك جليا للأساتذة والأستاذات عند أول فرض كتابي ؛ بحيث لا يحصل على المعدل إلا فئة قليلة جدا ، وهي التي تشارك المدرس مراحل دروسه اليومية برغبة واهتمام ؛ ولربما هذه الفئة جلها من البنات وحتى النقاط الممتازة تكون من نصيبهن ؛ وهذه ظاهرة خطيرة أصبح جل المدرسين والمدرسات يعانون منها؛ وهم يتساءلون عن الأسباب الحقيقية والتي تجعل تلاميذتهم لا يهتمون فيما يقدم لهم ؛ وتحصيلهم الكارثي رغم التضحيات التي يقدمها هؤلاء الأساتذة والأستاذات ؛ لتبليغ رسالتهم بشكل جيد، والرفع من مستوى متعلميهم سواء في المواد العلمية أو الأدبية؛ والكل يشكي ويعاني في فقدان الرغبة لدى التلاميذ بحيث تتحول قاعات الدرس إلى رحبة أو سوق، مما يجعل المدرسين يعانون الضغط النفسي والعصبي في غياب الحلول السيكو-بيداغوجية والسوسيو- بيداغوجية لهذه الظاهرة التي تهدد مستقبل التعليم العمومي بالمدرسة العمومية دون ذكرنا للإكراهات الكبرى الأخرى بالإضافة إلى الشغب والفوضى وغياب الرغبة والاكتظاظ المهول؛ هناك ضعف المستوى لدى المتعلمين والمتعلمات بسبب ما أمسى يعرف بالتعليم الالزامي والاحتفاظ حتى المستوى الثالثة من الإعدادي الثانوي؛ وازدياد نسبة التدفق بين الأسلاك؛ والتركيز على الكم في غياب الجودة في اكتساب الكفايات الأساسية والاستراتيجية والمنهجية والثقافية التي يهدف لها البرنامج التعليمي الحالي؛ وهيمنة ثقافة الحقوق وغياب الواجب لدى الفئات المستهدفة من المتعلمين والمتعلمات؛ مما يجعل مؤسساتنا التعليمية العمومية تبحث لها عن أكثر من مخرج لضبط متعلميها نتيجة السلوكات الانحرافية الكثيرة، والتي تقلل بال الإدارة التربوية وهيئة التدريس معا ؛ وكل هذا بدأ يخرج للعلن عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث أمست مؤسساتنا في صراع دائم مع الوسائل التكنولوجية الحديثة التي تنقل الحدث بالصورة والصوت وسهولة نشره ليطلع عليه الجميع؛ فهذا أستاذ في حلبة صراع داخل فصله مع تلميذ، والآخر يتلقى أكثر من لكمة على وجهه بسبب نقطة لم تعجب متعلمه؛ وتلك أم تلميذ أو تلميذة تهجم على أستاذة داخل فضاء الحياة المدرسية؛ والأستاذ الفلاني يعنف تلميذته لفظيا والآخر بدنيا وهلم جاره... وفي ظل هذه الظروف والأوضاع المضرة بالقطاع ؛ وابتعاد المدرسة العمومية عن أدوارها الاجتماعية والثقافية التي وجدت من أجلها؛ والبحث عن الحلول للمعضلات البنيوية والسوسيو- ثقافية التي تعاني منها، يفاجأ الرأي العام بقرارات فوقية لتزيد من الطين بلة وإقبار المدرسة العمومية المغربية ؛ كمدرسة للشعب عبر التوظيف بالعقدة والتوظيف المباشر بدون تكوين وضرب مجانية التعليم وكل رسائل تهدم ماضي التعليم ومستقبله بهذا الوطن العزيز.