إحسان الزكري تشهد مواقع التواصل الإجتماعي موجة عارمة من الإنتقادات التي تنهال سياطها على مصداقية خطاب حكومة بنكيران على مستوى تدبيرملف الأطر العليا المعطلة ، حيث تصافح أعين الزائرين لتلك المواقع سهام التعاليق النقدية اللاذعة المصوبة نحو التصريح الأخير الذي قصف به السيد بنكيران معطلي محضر 20 يوليوز. ولعل الزائر لتلك المواقع يستخلص دون كبير عناء مشاعر التذمر والإمتعاض التي باتت تستبد بنفوس تلك الشريحة من المعطلين جراء تلويح السيد بنكيران باحتمال الإخلال بعهده الذي قطعه معهم بخصوص إدماجهم في أسلاك الوظيفة. ويذكر في هذا الصدد أن معطلي المحضر قد التزمت معهم الحكومة السابقة عبر محضر مؤرخ بتاريخ 20 يوليوز الماضي بإدماجهم في أسلاك الوظيفة بناء على مرسوم صدر لأجل ذلك الغرض وصادق عليه صاحب الجلالة نصره الله. واستنادا إلى ذلك الإلتزام الموثق ، استقر في نفوس المعطلين المعنيين بالمحضر أنهم في عداد الموظفين إيمانا منهم بأن التزام الدولة واجب التنفيذ ، فراحوا يعدون الأيام والليالي ويستعجلونها من أجل معانقة يوم التعيين الموعود دون أن تخامرهم ذرة شك في حتمية حلوله.ثم إنه حينما فاز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات الأخيرة ازدادت ثقتهم رسوخا واطمئنانهم تجذرا بخصوص مستقبل محضرهم الذي سيصبح حسب اعتقادهم في أياد أمينة ترعى العهود وتصون المواثيق وتفي بالإلتزامات . هكذا عمت المعطلين أصحاب المحضر موجة من الإرتياح العارم والبهجة المفرطة وهم يستقبلون الطلعات الإعلامية لبعض أعضاء الحكومة الراهنة الذين زفوا إليهم من خلالها بأن حكومتهم ملتزمة بما التزمت به الحكومة السابقة وبأن لوائحهم أصبحت قيد المعالجة والتحيين استعدادا لإدماجهم . ومع توالي الأيام والأسابيع بدأت من حين لآخر تطفو على سطح المشهد الإعلامي المرئي والمكتوب والمسموع إطلالات إعلامية لمسؤولين من حكومة بنكيران يؤكدون من خلالها نفس اللازمة التي تقول بأن الحكومة الحالية ملتزمة بما التزمت به الحكومة السابقة حتى حفظ معطلو المحضر تلك اللازمة كما حفظوا من قبل ذلك منطوق محضرهم. ولأن إيمان معطلي المحضر بحتمية إدماجهم في إطار الدفعة الثانية قد ترسخ بشكل لا تشوبه شائبة من ريبة ، فإن اهتمام أولائك المعطلين قد انصب بعد ذلك حول التعيين فراحوا يتجاذبون الأحاديث حول شكله ويتساءلون إن كان جهويا أم وطنيا . ووسط تلك الأجواء التي شهدت تجميد كل أنشطتهم الإحتجاجية السلمية بفعل قراءتهم الثقة في التصريحات الحكومية السابقة استجد ما لم يكن في الحسبان ولا خطر على بال ، ذلك أن السيد رئيس الحكومة عقد لقاء مع ممثلي المحضر الذين توقعوا أنه سيبشرهم خلاله بقرار إدماجهم وفاء بتعهده ، غير أنه وبخلاف ذلك لوح لهم بإمكانية الإخلال بالتزامه بإدماجهم كما أخبرهم بعزمه إحالة محضرهم على الأمانة العامة للحكومة لمدارسته ، وهو الموقف الذي أثار حفيظة معطلي المحضر الذين قرروا النزول بعد ذلك إلى شوارع الرباط للإحتجاج على موقف رئيس الحكومة ولمطالبته بتنفيذ التزامه معهم . غير أن احتجاجهم السلمي قوبل بدل الحوار الذي بشر به السيد بنكيران بتدخل أمني عنيف حيث تلقوا وابلا من الضربات التي ما تزال آثارها موشومة على مختلف اطراف أبدانهم . بيد أن إيمانهم بالشرعية القانونية لمحضرهم باعتباره التزام دولة واجب التنفيذ ، فضلا عن كونه نتاج رغبة ملكية سامية ، قد مدهم بإرادة لا تلين وعزيمة لا تقهر، حيث قرروا مواصلة احتجاجاتهم السلمية المفتوحة بشكل سلمي وتصعيدي حتى تنفذ الحكومة التزامها بإدماجهم تجسيدا للرغبة الملكية الجليلة. وفي خضم هذه الاجواء المحتقنة، لمعت في أذهان أولائك المعطلين تساؤلات يلفها الإستغراب حول التعارض القائم بين القول والفعل لدى ساسة حزب العدالة والتنمية سيما فيما يخص ملف معطلي المحضر ، إذ بدأوا يستحضرون في هذا السياق تصريحا للسيد بنكيران، وهو التصريح الذي رفعوه في يافطات خلال احتجاجهم الأخير والذي يقول فيه بالحرف بخصوص الملف المذكور " الذين وقعوا مع الحكومة السابقة أي اتفاق سيتم الوفاء والإلتزام به" كما استحضروا في نفس الإطار تصريحا مماثلا لوزير الحكامة والشؤون العامة السيد نجيب بوليف إذ يقول " الحكومة ملتزمة في إطار محضر 20 يوليوز الذي وقعته الحكومة السابقة وما عدا ذلك سيتم في إطار الحوار" ، كما استحضروا فضلا عن ذلك تصريحات أخرى لمسؤولين في الحكومة تصب كلها في نفس الشأن، وهي تصريحات من شأنها أن تقوض أسس الثقة في الخطاب السياسي لحكومة بنكيران إذا ما عاكستها أفعال ساستها. هكذا تبقى هذه الشريحة من المعطلين متأرجحة بين التزام الحكومة بتوظيفها وتلويح طرف داخلها بإقصائها ليبقى القرارالأخير في يد الأمانة العامة للحكومة التي عليها إنصاف هذه الفئة وإحقاق حقها في الإدماج انسجاما ومقتضيات المرسوم الوزاري الذي صادق عليه صاحب الجلالة دام له النصر والتمكين.