عرضت الحكومة المغربية مشروع قانون المالية لسنة 2012 على البرلمان قصد التداول والمصادقة عليه، وإذا كان مشروع قانون المالية لحظة مهمة في كل حكومة، كما يرى الباحث الاقتصادي جمال مشروح، فإن الظرفية التي أعد فيها مشروع قانون المالية الحالي "تعطي إنطباعاً خاصاً"، كما قال. على المستوى السياسي، يعدّ هذا المشروع أول قانون مالية بعد حكومة تمارس مهامها في ظل دستور جديد، أما على المستوى الاقتصادي فإن الظرفية الوطنية والدولية على حد سواء تفرض أوضاعاً صعبة وتضيق من هامش التحرك أمام حكومة العدالة والتنمية. تحديات أكيدة أكيدة يبدو أن من أكبر التحديات الاقتصادية التي ستواجهها الحكومة المغربية الحالية، هي ما يمكن ملاحظته في النقص على مستوى إيرادات الدولة من جهة، والارتفاع المتصاعد على مستوى نفقاتها من جهة أخرى. وقال الباحث الاقتصادي المتخصص في القانون الدولي الاقتصادي في جامعة ابن طفيل في القنيطرة جمال مشروح ل": "النتيجة المنطقية لوضعية اقتصادية كهذه هي تدهور المؤشرات الاقتصادية الكبرى للدولة، كما تشير إلى ذلك تقارير صندوق النقد الدولي وكذلك تقارير المؤسسات الوطنية من تقارير المندوبية السامية للتخطيط." ويوضح مشروح: "أن هناك على سبيل المثال انكماش معدل النمو المتوقع في إطار مشروع قانون المالية الحالي إلى 2،4 في المئة فقط، بعد أن كان الرقم يسعى إلى تحقيق 7 في المئة، وهو ما سبق وأن عبر عنه البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية الذي يتحمل المسؤولية الحكومية الحالية، كذلك المداخيل الجمركية تنخفض حسب المشروع إلى 3 في المئة في الوقت الذي يتفاقم فيه العجز التجاري بشكل خطير حيث وصل إلى رقم قياسي في فبراير الماضي، ثم أن الآمال المعقودة على إنقاذ الموسم الفلاحي تكاد تضمحل بفعل موجة الصقيع التي ضربت المملكة والتأخر في سقوط الأمطار، وآثار الجفاف، كلها تطرح تحديات كبيرة على المغرب، لا من حيث الانخفاض الذي سيطال الصادرات المغربية الفلاحية إلى الخارج، ولكن أيضاً ارتفاع الواردات الفلاحية وخصوصاً الحبوب مع ما يعنيه ذلك من العجز في الميزان التجاري للمغرب." يطمح مشروع قانون المالية لسنة 2012 إلى تحقيق معدل نمو بنسبة 4.2% وإلى تخفيض عجز الميزانية إلى 5% وتوقع 93.5 مليار درهم للأجور، كما أنه أقر توجهات التنمية الاقتصادية ورفع الخدمات الاجتماعية والإدارية وتعزيز الحكامة الجيدة، والتدقيق في الإطار المالي لتنزيل هذه التوجهات. وأضاف مشروح: "على العكس من انكماش الدخل، تعرف النفقات العمومية منحى تصاعدياً، فارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، يتطلب من المغرب ضخ مليارات إضافية في صندوق المقاصة الذي رصد له مشروع قانون المالية 5،46 مليارات درهم، وتجدر الإشارة إلى أن قانون المالية تم إعداده على أساس أن أسعار البترول ستكون في حدود 100 دولار للبرميل في حين أنها تصل اليوم إلى 120 دولاراً للبرميل وقد يصل هذا المبلغ إلى 200 دولار للبرميل في حال توجيه ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية ضد إيران." واعتبر الباحث أن الزيادة التي عرفتها الأجور في الصيف الماضي تطرح تحديات على المالية العامة التي يتوقع المشروع أن يصل مستوى عجزها إلى حدود 5%، كذلك التضخم الذي تم التحكم فيه لسنوات عديدة من المتوقع أن يصل إلى 5،2% مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات جدية على القدرة الشرائية للمواطنين. وأكد على أن كل هذه التحديات تتطلب من الحكومة الحالية إيجاد صيغ جديدة وفعالة لتدبير ميزانية الدولة. وقال: "أعتقد بأن أية مقاربة في هذا الاتجاه ينبغي أن تحاول قلب المعادلة من خلال الرفع من المداخيل والتخفيض من النفقات، مثلاً، عبر اعتماد سياسة جديدة ترمي إلى القضاء على الامتيازات الضريبية التي تتمتع بها بعض القطاعات كالقطاع الفلاحي والتعليم الخاص، وكذلك اعتماد سياسة حقيقية لاعتماد اقتصاد الريع الذي يضيع على الدولة ملايين الدراهم سنوياً، على المستوى التجاري ينبغي وضع سياسة مندمجة لضمان استفادة أكبر من مجموع اتفاقات التبادل الحر التي وقع عليها المغرب، وخصوصاً وأن صادرات المغرب في إطار هذه الاتفاقات تظل ضعيفة بالمقارنة مع الواردات. فعلى سبيل المثال، فإن المعادلات التجارية للمغرب مع الولاياتالمتحدة الأميركية تظل مطبوعة بمعدل تغطية ضعيفة لا يتعدى ال 25%، الوضعية نفسها يعاني منها المغرب في علاقته مع الدول الموقعة لاتفاق التبادل الحر، حيث لا تتعدى بعض الصادرات المغربية من وارداته من مصر والأردن وتونس نسبة 9،16% برسم سنة 2010." توقع حصر معدل النمو سنة 2012 في حوالي 2،3% وعلى عكس الطموح المعبر عنه في مشروع قانون المالية الحكومي، يتوقع رئيس المركز المغربي لدراسة الظرفية الحبيب المالكي (هيئة حكومية) حصر معدل النمو سنة 2012 في حوالي 2،3 %، ملاحظاً بأنه يشكل تراجعاً في حدود نقطة واحدة مقارنة مع المعدل المسجل خلال السنة الماضية وأكثر من نقطة واحدة ونصف مقارنة مع المعدل المسجل خلال السنوات الخمس الأخيرة. ومن أهم ما توقعه المركز استقرار معدل التضخم في حدود 2%، وتدهور أوضاع التشغيل، حيث يرتقب أن يرتفع معدل البطالة بنقطة واحدة. وكان وزير الاقتصاد والمالية نزار بركة خلال ندوة صحافية قد صرح بأن الاقتصاد الوطني المغربي تمكن من تحقيق نسبة نمو ناهزت قيمته ال 5% خلال السنة الماضية رغم الظرفية العالمية الاقتصادية الصعبة. وأمام واقع بدا كأنه سيحد من هامش تحرك الحكومة الجديدة، لم يستبعد الوزير إمكانية الاقتراض من الخارج، معتبراً أنه "بإمكان المغرب اللجوء إلى المزيد من الاستدانة من الأسواق الخارجية وأن وضعيته المالية ما زالت مريحة وتسمح له بالاقتراض من الأسواق المالية العالمية ومن المانحين الكبار" كالبنك الأوروبي للتنمية والتعمير والبنك الأفريقي للتنمية ومن دول الخليج العربي التي كانت قد تعهدت في إطار شراكتها مع المغرب، بتخصيص تمويلات بقيمة 5،2 مليارات دولار، إضافة إلى شراكة دوفيل المتعلقة بمواكبة التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. إلا أن أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط يرى عكس ما سار إليه وزير المالية، معتبراً أن الإفراط في الديون قد يؤثر سلباً على التوازنات المالية للمغرب. وقامت المندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية تعنى بإنجاز دراسات حول التوقعات الاقتصادية) بإعداد الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2012، التي تقدم تقديراً للنمو الاقتصادي الوطني خلال سنة 2011، وكذلك مراجعة توقعات السنة الجارية. كما أعدت التوقعات الاقتصادية في أفق سنة 2015، خاصة في ما يتعلق بقابلية التوازنات الاقتصادية الكبرى الداخلية والخارجية للاستمرار. وتعتمد توقعات هذه الميزانية الاقتصادية على مجموعة من الفرضيات التي تهم تطور المحيط الدولي والوضعية الاقتصادية الداخلية. وحسب المندوبية السامية للتخطيط التي يرأسها أحمد علمي الحليمي، سيعرف الطلب العالمي الموجه نحو المغرب خلال سنة 2012، تباطؤاً، حيث لن يتعدى نموه ال 1،2% عوضاً عن 6،5% سنة 2011. ويتوقع أن يصل متوسط سعر النفط الخام إلى 99 دولاراً للبرميل عوضاً عن 104,2 دولارات للبرميل سنة 2011، في حين سينخفض متوسط سعر المواد الأولية غير الطاقية بحوالي %14. وستعرف قيمة اليورو مقابل الدولار استقراراً في حدود 1,36. وترتكز هذه الفرضيات، كذلك، على استقرار مداخيل السياحة الدولية وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج في المستويات المسجلة سنة 2011 وعلى انتعاش طفيف للاستثمارات الأجنبية المباشرة ب10% بعد الانخفاض الكبير ب 2،37% سنة 2011. وبخصوص العوامل المرتبطة بالظروف الاقتصادية الداخلية، تعتمد فرضيات المندوبية السامية للتخطيط، على إنتاج للحبوب لا يتجاوز ال 60 مليون قنطار خلال الموسم الفلاحي الحالي، وعلى المقتضيات المعلنة في مشروع قانون المالية لسنة 2012، خاصة نفقات التسيير والاستثمار. ويهدف مشروع قانون المالية إلى تعزيز الدعم للبرامج الاجتماعية التنموية عبر تخصيص 51 مليار درهم للتعليم و12 مليار درهم للصحة و3 مليارات درهم للسكن و2.6 مليار درهم لفك العزلة عن العالم القروي، ومليار درهم لصندوق التنمية القروية و2.3 مليار درهم للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. أما بخصوص صندوق الدعم الاجتماعي، فقد خصصت الحكومة ملياري درهم لبرامج تعميم المساعدة الطبية ودعم الأشخاص في وضعية إعاقة وتحمل نفقات الهدر المدرسي، ويمول بنسبة 1.5% من الربح الصافي للمقاولات التي تفوق هذا الربح 200 مليون درهم، بما يتيح مليار و200 مليون درهم تضاف لها 350 مليون درهم من صندوق التأمين وإضافة نسبة 1.6% إلى الضريبة على السجائر. وقال مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خلال ندوة صحافية: "سيتم العمل على تعبئة 188 مليار درهم لمصلحة الاستثمار العمومي، وفي الوقت نفسه مضاعفة ترشيد النفقات العمومية عبر تخفيض نفقات الإيواء والفندقة والاستقبال والحفلات الرسمية ب 50% وتطبيق التزامات الحوار الاجتماعي والتزامات التشغيل". إيلاف