مضيت وفي قلوبنا شيء من أسئلة معلقة، وأجنحة مكسرة تهفو بها الريح ذات اليمين وذات الشمال، يستوطنها الملل والكلل، وفيض من الحسرات والكدمات، كما الملاكم نحن نعد الجراحات والإخفاقات، نستجمع أنفاسا لأشواط طالت خارقة أصول الحياة، فلترحل في صمت كما قدمت لا دموع في المآقي بعد أن جف نبعهما، فاجمع بقاياك الحزينة فينا، وجراحاتك القاسية الدفينة وارحل من مذكراتنا. نحن واحد، جسد واحد يجمعنا، الفقر يجمعنا، في حلبة نصارع الخبز والكهرباء والسكر، نحارب الفقر والجوع والدهر، وساسة من الأحاسيس قلبهم قفر، من الإبداع والشعر والفكر، في قبضة ساسة نحن لو ملكوا الهواء لباعوه بالتقسيط. عام يمضي نعد فيه الثقوب في الجيوب، نرقعها وننتظر أن تحتضن أحلاما تسع السماء والضياء، عام نحصي فيه كذب السياسيين، ونلعن أقنعتهم الماكرة، ونبصق على تجارتهم الخاسرة. عام يمضي دون أن يسطع في سمائنا ألق الأمنيات، ووهج الآمال والرغبات. عام يمضي وقد تكشفت وجوه، كانت قد تقنعت وراء الفضيلة حتى حققت مبتغياتها، ففرت من حياتنا، ومن صندوق ذكرياتنا. عام يمضي نكد ونعمل، ونشقى لأجرة الماء والكهرباء وثمن الدواء. عام يمضي لم يغير من تعاقب الليل والنهار، من شروق الشمس ولاغروبها، من حلكة الليل وظلمته، ولا من فقرنا وبؤسنا لغد أفضل، لم يشف حاجاتنا، ولم تندمل معه جراحاتنا. عام لفحتنا فيه صنوف الأسعار، السلع منها والخضار، علبة الكبريت منها، وقنينة الزيت. عام يمضي نصيخ فيه السمع لمقاصل الأوجاع، ومدافع الأنين. عام مضى حاربتم فيه الإنسان فينا، ببث الكراهية بدل السلام، بنشر الرعب بدل الأمان، ببناء الحجر بدل البشر، بالتربية على حب البشاعة بدل الجمال، بتقدير المظهر بدل الجوهر. لم تحترموا أمانة، ولم تستروا عورة الوطن، حكومة صورية مصورة، علينا مقدرة، قراراتها مقررة، وتدابيرها مدبرة، سياستها ارتجالية، إدارة تنخرها المحسوبية، وتعليم وتطبيب تسمهما العبثية. أزمات ليلها كنهارها، لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، تتناسل كالفطر في حياتنا، تحاول أن تحرق أوراق هويتنا. سيأتي عام نسمع فيه من جديد لأسطوانات كذب السياسيين، وبهتان المنجمين، سوف يرفعون في وجهنا موسم التنزيلات أمام محلاتهم الفارهة في كل الأمصار، ويبينون نسبهم المتهاوية من الأسعار. سوف تشاركوننا كواليسكم، وقهقهاتكم الرتيبة، التي لا تبث روحا في جسد اعتاد كي الزمان، وغدر الأيام.
وفي الوقت الذي تسافرون فيه للعواصم الغربية، وتأكلون أنواع الكعك الشهية، وتهوي في بطونكم كؤوس الشامبانيا، وتلوحون بأعينكم فرحا بالشهب النارية، تذكروا أننا سوف نحتضن أحلام الفجر الثملة، ونربط بطوننا بالحجر، نلتحف جلودنا من القر، نخرج باكرا بحثا عن العمل، ونربي الأمل.