لسان "عامل الانعاش الوطني" ، وهو المغلوب على أمره ، والمحروم من أبسط حقوقه ، والمهضوم في كامل مستحقاته التي ظلت حبيسة القرارات والدورات البرلمانية دون أي اعتبار لما قد يحدث له من نكسة ترجع عليه وعلى عائلته التي يعولها بالضرر و المعاناة ، و المُؤَزَّم في نفسيته بسبب شبح الطرد والتوقيف المعرض له في أية لحظة بمبرر أو بدونه, كونه لايحمل أي وثيقة تحميه وتضمن مستقبله الذي يظل في عالم المجهول يقول : " لا نريد كل عام ، يوم عيد الشغل . . . نريد فقط حقوق الشغل" . لسان حال مُواطن خُبزي غير مسيّس تماماً . عفوي وتلقائي ليس له علاقة بالأيديولوجيا و التوجهات و الأحزاب ، ولا بالمؤسسات . . لسان فصيح يقول بلا أخطاء نحوية ، وبلا بلاغة لغوية : " لا نريد كل عام ، يوم عيد الشغل . . . نريد فقط حقوق الشغل" .
نقابيون وسياسيون كبار، ومثقفون أيضاً، اختزلوا تقليدا من دون أن يدروا أو هم على دراية ، شغل العامل المستضعف الكادح كدحا إلى يوم في العام .
الأول من شهرماي من كل عام ، تستيقظ النخوة النقابية والسياسية ، وتزهر في أوراق العام ورقة مغربية خضراء . في هذا اليوم الكل يريد تحريرالعامل من الاستغلال والتعسف ، وتحقيق العدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية واحترام حقوق العامل باعتباره انسانا. وهذا الأخير ما زال مستعبدا على أرض الواقع . الاستغلال أصبح هيمنة ، والتعسف صار اضطهادا ، وعيد الشغل عاد من جديد بنفس الخطابات الرنانة والشعارات الفضفاضة ، نسمع جعجعة ولا نرى طحينا .
في هذا اليوم ، يصبح العمل خزانة جميلة تُعلّق فيها ثياب العمال، وينحو الخطيب إلى اللغة الشعرية، ويخرج النقابي والحزبي والسياسي والمنظر الأيديولوجي ليقول: ما زلنا على قيد الحياة ، ما دامت حقوق العمال على قيد الموت .
لذلك كله، تقول الفئة المستضعة والمُفقرة و المُحقرة والمهمشة ، والتي لا ترتدي على جلودها سوى بعض الثياب المبللة بالعرق والشكوى : " لا نريد كل عام ، يوم عيد الشغل . . . نريد فقط حقوق الشغل" .
حقوق الطبقة الشغيلة في يوم عيد الشغل منبر كلام . رجل السياسة ، ورجل الدين الرسمي ، ورجل السلطة ، ورجل الثروة الذي ضد الثورة العمالية ، ورجل الاستبداد الذي يطغى في البلاد و يقمع العباد . . كل هؤلاء يتناولون "حقوق الشغيلة " في الصباح المبكر مع القهوة المبكرة .
حقوق الطبقة الشغيلة في يوم عيد الشغل ، ورقة سياسية ، وتظاهرات احتفالية وانضباطية موزونة تماماً في شوارع نظيفة ، قد قام "رجل الإنعاش الوطني" على كنسها وجمع القمامات وعلب السجائر والأكياس البلاستيكية الممزقة وما تحويه من مخلفات الطعام وعلب المشروبات الغازية والكحولية المتناثرة على أرصفتها .
عامل "الانعاش الوطني " الذي بلا حقوق ومستحقات ، والذي أمضى عمره في أشغال الكنس والتنظيف والصباغة والتشجير، وبوسائل عادية كي يمنح للمدينة رونقها ،ويجعلها مؤهلة للأعياد والمهرجانات التي تحتفل بها المدن ، يسأل و يتسائل بلسان مستغيث، وبعين مكسورة، وجفنين ذابلين، واجماً ، مغموماً ، مهموماً : - يا عيد الشغل هل نحن "عمال الإنعاش " بكامل حقوقنا أم مجرد أوباش !!!؟ -الى متى سنظل - ونحن في القرن الواحد والعشرين - في هذا النفق المظلم الذي يؤدي بنا حتما إلى الموت البطيء !!!؟