اطلعنا مؤخرا على تقرير جديد للمجلس الأعلى للحسابات والذي لا أحد يختلف أو يجادل في ما تكتسيه مثل هذه التقارير من أهمية بالغة لدى الرأي العام الوطني ، لما تتضمنه من معلومات ومعطيات تكشف عن حجم الإختلالات التي تعرفها عدد من الوزارات والمؤسسات والإدارات العمومية والشركات الوطنية والمجالس المنتخبة وغيرها.
وصدور تقارير تلو أخرى يعتبرمسألة حيوية فيما يتعلق بالكشف عن الوقائع والحقائق والمعطيات والمعلومات المتصلة بتدبير المرفق العام أو المحلي ، ومدى قرب أو بعد القائمين على تسييره من الشروط والقواعد الواجب اتباعها في إطار تكريس مبادئ الحكامة الجيدة وتفعيل القوانين واللوائح الجاري بها العمل المتعلقة بحسن تدبير وتسيير مصالح الدولة والجماعات الترابية وخدمة مصالح المواطنين.
ولا يسعنا إلا أن نثمن هذا التوجه ونطالب بترسيخه وتطويره وذلك بتمكين المجلس الأعلى للحسابات كجهاز مستقل بموجب الدستور ، من أداء وظيفته ومهمته على أحسن وأكمل وجه ، وتوفير كل الوسائل المادية والبشرية وإعطائه كل الصلاحيات ليقوم بدوره المحاسباتي والرقابي تجسيدا لمبدأ الشفافية والحكامة الجيدة ، وتفعيلا لمقتضيات الوثيقة الدستورية و التي نصت في هذا الإطار على أن المجلس الأعلى للحسابات يمارس مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة الرشيدة والشفافية والمحاسبة ، بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية ..و يتولى ممارسة الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية ويبذل مساعدته للبرلمان والحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون.
ولا شك أن نشر تقارير المجلس الأعلى للحسابات ، كما هو الشأن للتقرير الذي تطرقنا إليه في حلقتين والذي يهم الإختلالات التي عرفتها عملية تأهيل مدينة الناظور إبان مرحلة "عبد الوافي لفتيت" حينما كان عاملا على عمالة الناظور والذي سجل العديد من الاختلالات والنقائص المرصودة في هذا التقرير ، لا يمنعنا من التنبيه على أن الغاية والهدف من إحداث هذا المجلس لا تقف عند حدود إعداد تقارير سنوية ونشرها لاطلاع الرأي العام عليها ، بل بتقديم أرضية واضحة وشفافة عن واقع تدبير المرفق العام والمحلي بمختلف أدواره واختصاصاته وأنواعه ، للجهة المعنية وهي الحكومة الملزمة بالتعامل الجدي مع تقارير المجلس والعمل على تفعيل توصياته وخلاصاته.
وإلى الآن يظهر أن عددا من تلك التوصيات لم تفعل أو تم تجميدها ، مما يفرغ هذه المؤسسة الدستورية من محتواها ويحمل في طياتها بذور فشل مهمتها الوطنية النبيلة ، نظرا لعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة في كثير من الملفات والقضايا التي كان من الواجب أن تعرض على القضاء ليقول فيها كلمته الفصل ، فلا يعقل رصد هذه الإختلالات والإنحرافات دون أن يتم تحريك مسطرة المتابعة القضائية وإعمال المحاسبة القانونية والإدارية للمسؤولين عن هذه الإختلالات والإنحرافات ، وساكنة الناظور التي أحست بالغبن والضرر إزاء ما واكب مشاريعها من غش مفضوح أثناء فترة العامل" لفتيت" وهي المشاريع التي أنفقت عليها الملايير من أموال الشعب ، أصيبت بصدمة كبيرة وهي تعيش لحظة تزكية حكومة عبد الإلاه بنكيران للعامل" لفتيت" ليصبح واليا على الرباط العاصمة.
إن الخلاصات التي تتوصل إليها تقارير المجلس تباعا لا تزال تكشف حتى الآن وفي العمق أزمة بنيوية على مستوى تدبير وتسيير عدد من المؤسسات على الصعيدين الوطني والمحلي ، وهو ما يجعل الحكومة وهي الجهة المعنية بتدبير الشأن العام وتنفيذ السياسات العمومية ، تتحمل المسؤولية الأولى في كل ما حصل ويحصل ، بكونها الطرف المعني بالتنزيل السليم والديمقراطي لمقتضيات الدستور والتطبيق الصحيح لبنود القانون والإرساء الحقيقي لقواعد الحكامة الجيدة والشفافية ، في ظل ما تتعرض له بعض المؤسسات العمومية من نهب للمال العام والإخلال بالمسؤولية واستغلال للنفوذ وعدم الإلتزام الصارم بالقواعد والقوانين والعمل على خدمة المصالح الشخصية والفئوية الضيقة على حساب المصلحة العامة للبلاد والعباد.