يوم الأحد اتصل بي صديق من مسقط روحي، مدينة القنيطرة، وعاتبني بلطف مكنون على عدم خوضي في عِرض السياسة الوطنية، ومشيها المتغنج دلالة على الفساد، وارتكاني إلى الحديث أكثر عن «حموم الشعب» وارتفاع درجات حرارة تخلفه وبواطن دائه ومكامنها، وحرت في الجواب الذي لم أعثر له على خبر في ذهني آناء المكالمة، ووجدتني على غرار كل من تنبه إلى أمر ذات غرة مفاجئة أقدم له التفاسير الأقرب إلى اللسان والمنطق الصريح، وأخبرته بأن المواطن المغربي الجميل الهادئ الذي يقرأ الجرائد يعرف جيدا خبايا خروب بلاده، وكيف تُصنع سياساته خلف أقنعة القادة والزعماء والساسة الأبرار... وأنه لا داعي بالتالي إلى تكرار الكلام تلو الكلام على آذان لا تشاء أن تسمع أساسا من صمم أصابها ذات حادثة سير انتخابية متعمدة قادت أصحابها إلى الجلوس على الكراسي التي لا تشفع بالمصلحة إلا لأصحابها من ذوي الكروش العاجية انتهت المكالمة، ولم ينته الكلام... وسألتُ نفسي بصدق ذاتي نادر عن الأسباب التي تدفعني إلى الإعراض عن الأعراض السياسية (سيئة السمعة)، فوجدتُني أردد كلمة أثيرة يكرهها الجميع مسماها «الملل».. نعم لقد مللت الحديث عن السياسية لأن التغيير مجرد خيال علمي في هذا الوطن، وأن الثبات على عدم الوفاء هو الأصل في السياسة، ولأن المال والبنون الذين سيرثون المناصب الحكومية أفضل عند المتنفذين من كل الباقيات الصالحات التي نكتبها في «أعمدتنا» و"هراواتنا" و"بونْقْشاتنا" اليومية، وقد مللت أحاديث السياسة لأني أعلم أن أصحاب الحال يقرؤون هذا الكلام ليعرفوا فقط مدى خطورته على مخططاتهم ومؤامراتهم ضد جيوب الشعب وعقوله العاملة، ومدى حيازته بين ثناياه للكلمات الرديئة الكفيلة بجر صاحبها إلى ما خلف «قرطاس العدالة» للتخلص من قلمه الفتاك بوساطة «عصا شهيرة» تنتصب داخل دهاليز القضاء على «رؤوس الأقلام الحقة»، وقليلا من «الجَزر» المركون على الرف قصد الاستعمال ساعة الحاجة ماذا تريدني أن أكتب يا صديقي؟ هل تريدني أن أقول إن الدولة تريد لهذا الشعب أن يبقى أميا جاهلا متخلفا حتى لا يكترث لغير لقمة الخبز التي تبقيه على قيد الحياة جنبا إلى جنب مع أكباش عيد الأضحى الشهيرة... هل تريدني أن أقول إن الدولة تريد لعقول هذه الأمة أن تظل تحت وطأة الخرافة والجهل والفشل والأدمغة الناعمة حتى لا يصحو أحد ليكشف عن الحقائق النائمة؟ هل تريدني أن أقول إن الدولة تعمل وفق مخطط محكم للسيطرة على «تلابيب» و"تلافيف" وسماء وأرض وهواء الحياة السياسية عن طريق «الوافد الشديد» الذي يُخضع لسلطته «الأخضر والعابس» ويدجِّن الجميع لإنهاء كل العبث السياسي المنبثق عن عهد قديم يلتحف بورق هدايا مفبرك بمصانع العهد الجديد؟ ماذا تريدني يا صديقي أن أقول وما الذي تنشده مني كتابة؟ فلو كان الأمر بيدي لسافرت أو هاجرت إلى أوطان تكون فيها الحرية مكسبا لا يمنُّ به علينا أحد، وحيث تكون الكلمة كالطائر لا جُناح على أجنحته أينما حلقت... بيد أنه بقية من حب «مغرب غريب» استوطن القلب واستوجب معه القول أن نحن هاهنا قاعدون.. وأنا إلى مواضيع السياسة، ولا شك، عائدون