انعقاد الاجتماع ال 22 للجنة العسكرية المختلطة المغربية-الفرنسية بالرباط    بوريطة يرحب بقرار وقف إطلاق النار في لبنان ويدعو إلى احترامه مع ضرورة حل القضية الفلسطينية    الطالبي العلمي ورئيسة البرلمان الأوربي يتفقان على خارطة طريق لإعادة إحياء العلاقات بين البرلمانين المغربي والأوروبي        انقلاب أبيض بكوريا الجنوبية.. فرض الأحكام العرفية وحظر جميع الأنشطة البرلمانية والحزبية    الوداد البيضاوي يعلن تعيين بنعبيشة مديرا تقنيا للنادي    مديرية الجديدة توضح في بلاغ رسمي توازن الوضعية التعليمية بمدرسة الروداني    أخنوش يمثل جلالة الملك في قمة «المياه الواحدة» في الرياض    البواري: القطاع الفلاحي يواجه تحديا كبيرا ومخزون السدود الفلاحية ضعيف        التوفيق: ترميم المساجد أغلى من بنائها        الفنان المغربي المقتدر مصطفى الزعري يغادر مسرح الحياة        نحو تعزيز الدينامية الحزبية والاستعداد للاستحقاقات المقبلة    إسرائيل تهدد ب "التوغل" في العمق اللبناني في حال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار    "الاعتداء" على مسؤول روسي يعزز دعوات تقنين النقل عبر التطبيقات الذكية    حكومة أخنوش تقرر إعفاء معاشات المتقاعدين من الضريبة على الدخل    مطالب بفتح تحقيق في التدبير المالي لمديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية    دبي توقف إمبراطور المخدرات عثمان البلوطي المطلوب في بلجيكا    الأمم المتحدة: كلفة الجفاف تبلغ 300 مليار دولار سنويا    طائرة خاصة تنقل نهضة بركان صوب جنوب أفريقيا الجمعة القادم تأهبا لمواجهة ستينبوش    رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    الفنان المسرحي الكبير مصطفى الزعري ينتقل إلى جوار ربه    التامني: استمرار ارتفاع أسعار المواد البترولية بالمغرب يؤكد تغول وجشع لوبي المحروقات    النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام تستمر في إضرابها الوطني للأسبوع الثالث على التوالي    حدث نادر في تاريخ الكرة.. آشلي يونج يواجه ابنه في كأس الاتحاد الإنجليزي    أكادير…توقيف شخص يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في تنظيم الهجرة غير المشروعة    المضمون ‬العميق ‬للتضامن ‬مع ‬الشعب ‬الفلسطيني    تصريحات مثيرة حول اعتناق رونالدو الإسلام في السعودية        رحيل أسطورة التنس الأسترالي نيل فريزر عن 91 عاما    جبهة دعم فلسطين تسجل خروج أزيد من 30 مدينة مغربية تضامنا مع الفلسطينيين وتدين القمع الذي تعرض له المحتجون    حماس وفتح تتفقان على "إدارة غزة"    أمريكا تقيد تصدير رقائق إلى الصين    فن اللغا والسجية.. الفيلم المغربي "الوترة"/ حربا وفن الحلقة/ سيمفونية الوتار (فيديو)    مزاد بريطاني يروج لوثائق متسببة في نهاية فرقة "بيتلز"    فريق طبي: 8 أكواب من الماء يوميا تحافظ على الصحة    فيديو: تكريم حار للمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة .. المغرب يؤكد استعداده للانخراط في أي جهد دولي يهدف لتهيئة الظروف الملائمة لإحياء مسار السلام    كيوسك الثلاثاء | سرطان البروستات يقتل ألفي مغربي سنويا    أسعار الذهب ترتفع مع تزايد التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية    وزيرة: ليالي المبيت للسياحة الداخلية تمثل 30 مليون ليلة    مهرجان مراكش للسينما يواصل استقبال مشاهير الفن السابع (فيديو)    مزور: التاجر الصغير يهيمن على 80 في المائة من السوق الوطنية لتجارة القرب    برلين.. صندوق الإيداع والتدبير والبنك الألماني للتنمية يعززان شراكتهما الاستراتيجية    القضاء يحرم ماسك من "مكافأة سخية"    شعراء وإعلاميون يكرمون سعيد كوبريت    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    دراسة: تناول كميات كبيرة من الأطعمة فائقة المعالجة قد يزيد من خطر الإصابة بمرض الصدفية    وجدة والناظور تستحوذان على نصف سكان جهة الشرق وفق إحصائيات 2024    فقدان البصر يقلص حضور المغني البريطاني إلتون جون    التغيرات الطارئة على "الشامة" تنذر بوجود سرطان الجلد    استخلاص مصاريف الحج بالنسبة للمسجلين في لوائح الانتظار من 09 إلى 13 دجنبر المقبل    هذا تاريخ المرحلة الثانية من استخلاص مصاريف الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأحزاب السياسية المغربية وسؤال الدمقرطة
نشر في أيت ملول يوم 11 - 08 - 2015

هناك علم جديد في العلوم السياسية يسمى ( La transitologie) له قواعده النظرية وأسسه المفاهيمية، يُعنى بدراسة الانتقال الديمقراطي، ظهر عقب الحرب الأهلية الإسبانية (تجربة الانتقال الديمقراطي في اسبانيا)، ورغم أن هذا العِلم حديثٌ نوعا ما، إلا أن الانتقال الدمقراطي كحالةٍ و واقع، قديمٌ جدا، وله تجلّياتٌ عدة، ففي فرنسا مثلا، ظهرتْ بوادرُ الانتقال الديمقراطي سنة 1787م ليبلغ مَتَمَّهُ مع الجمهورية الثالثة سنة 1900م. أما في انجلترا، فتم اقرارُ نظام الاقتراع العام سنة 1918م كتتويج لمسيرة طويلة من إصلاحات، انطلقتْ منذ سنة 1832م، شملت بالخصوص إصلاح القانون الانتخابي.
إن الانتقالَ الديمقراطيَّ أسلوبٌ جديد لممارسة السياسة والوصول الى السلطة، وعمليةٌ متسلسلةٌ ومعقدةٌ وصعبة، تهدف الى التفاوضِ والتفاهمِ والتوافقِ على خطة لتغييرِ وضعٍ سياسيِّ قديم، يكون في الغالب نظاما مغلقا شموليا ومستبدا، الى وضعٍ سياسيٍّ جديد، تشاركيٍّ أو شبهَ تشاركيٍّ، يهدف الى تداول السُّلطة بهدف تحريك الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وهذه العملية لا تتم بسلاسة، وإنما تحتاج الى تضحيات كبيرة وصراعات بين مراكزِ النفوذ القديمِ، ولوبياتِ المصالح الخاصة المختلفة (الدولة العميقة).
معلوم أنه عندما تطول عمليةُ الانتقال الديمقراطي أكثر من اللازم، فإنها تفشل لا محالةَ، لأنها تُتيح الفرصة لمراكزِ النفوذ و( الفساد) القديمة، لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي، هذا الإجهاض يكونُ وقْعُهُ على المجتمعِ مُحبطا، حيث يقل معه الحماس الجماهيري، والترقُّبُ الشعبي، وتدخلُ به النخب السياسية التجديدية مسلسلا طويلا من التنازلات والتراجعات، تفضي في النهاية الى تحقيق انتقال منقوص، بل وموهوم ويظل القرار محصورا في مراكز القوى القديمة.
ولأن المغرب دولة مغمورة في الديمقراطية، وتحتل مرتبة متأخر في التصنيف العالمي، وجب أن نستقرئ واقعه الديمقراطي (الحالة الراهنة)، ونحدد المطلوب (أي انتقال لأية ديمقراطية)، ثم نستنتج البدائل والطرق التي ستسعفنا لفي تحقيق انتقال ديمقراطيٍّ حقيقيٍّ (آليات وإجراءات تحقيق هذا الانتقال).
معلوم أن أهم عنصر في هذا الانتقال هم الأحزاب السياسية، وهذه الأحزاب كما أنها ركيزة أساسية في الانتقال الديمقراطي، إلا أنها يُمكن أن تكونَ أكبرَ عائقٍ له، فكثيرٌ من الأحزاب السياسية في المغرب مثلا، تتحمَّل مسؤوليةَ إعاقة الانتقال الديمقراطي، فعندما نقول حزب سياسي فحتما يجبُ أن يكونَ هذا الحزب ديمقراطيا ( نقصد بالديمقراطية هنا الممارسة، وقوانين والآليات المنظمة لعمل الحزب)، لأن مبدأ التشاركية المفضي الى تداول السلطة يستوجب من الأحزاب أن لا تكون ديمقراطية فقط، بل ماهرة في الديمقراطية ومعلِّمَةً لها، وشعارا لها، وعندما تكون الأحزاب غير ذلك، لا يمكن باي حالٍ من الأحوال أن نتحدث عن الانتقال الديمقراطي.
يفضح لنا الواقع الراهن حقيقةَ هذه الأحزاب السياسية (المغربية)، التي ظلت تنادي بالتحديث والإصلاح منذ الاستقلال الى يوم الناس هذا، وظلت تُندِّدُ بالبيروقراطية والديماغوجية والاستئثار بالرأي والصوت والسلطة، لنكتشفَ أن هذه الأحزاب تَقُومُ أصلاً على هذه الممارسات الشُّمُولية، وتنتَهجُ نفسَ أنماط التسيير التي يتعاطاها النظام الشمولي المستبد والمغلق، لا لشيء سوى لتحافظ على الوضع الاجتماعي القائم، وتتصارعَ على مراكزِ النفوذِ، وتستأسدَ وتستميتَ في الحفاظِ على مصالحِها الخاصة، دون أن يكون لهذه الأحزاب السياسية رؤيةً ومشروعاً نهضوياً حقيقيًّا، يتعالى عن المصالح الشخصية المحدودة، ويجعلَ المواطنَ في صُلِبِ مشروعِهِ التنموي الاجتماعي والاقتصادي.
وهنا نَخْلُصُ الى المثل المشهور القائل (فاقد الشيء لا يعطيه) إذْ كيفَ لأحزابٍ نَفعيَّةٍ غيرِ ديمقراطيةٍ لا تستطيعُ أن تلتزمَ حتى بقانونها الداخلي، أن تتبنى مشروعا إصلاحيًّا طموحًا وحقيقيا ؟!
لا يمكن تصور تحديث البنية الحزبية ودمقرطتها، إذا لم تنجح الأحزاب في تبني برنامجٍ للتأهيل السياسي، ورفضِ مفهومِ المواطنة الامتيازية للقادة، وتقرير حالات التنافي بعدم الجمع بين المهام وتجذِيرِ المراقبة وتطوير أليات التخليق.
إن ما تحتاجه الأحزاب السياسية حقا وفعلا، هو نفسه ما تدعوا اليه في حملاتها الانتخابية، وترفعه كشعارات برَّاقة، فمعظم الأحزاب السياسية في المغرب قياداتُها هَرِمَتْ وشاختْ، ومازالت متشبعة بموروثٍ ثقافيٍّ تقليديٍّ مغلق، يتناسبُ مع فترة ما بعد الاستقلال فقط، ولا يتناسب مع الوضع الراهن المتطور المُرَقْمَنِ والمفتوح، وإذا كانت الأحزاب السياسية الى اليوم غير قادرةٍ على ممارسةٍ الديمقراطية في نطاقها الضيق أي (داخل الحزب)، فلن تستطيعَ أن تَبِيعَ هذا الإشهار للشعب، وبالتالي فلن يجني المغرب في المحصلة سوى مزيدٍ من العزوفِ عن التسجيل في اللوائح الانتخابات، ناهيك عن حقيقة التصويت، مما سيفضي الى اليأس من العملية الانتخابية برمتها، وبالتالي توسيع الهوة بين المجتمع والنخب السياسية.
عندما نعاينُ واقع الأحزاب المهيمنة في الدوائر والبلديات والجماعات، نلاحظ وبجلاء ما يمكن أن نسميَّهُ "الولاء والنصرة"، فالأحزاب لا تعتمد مشروعاً تنمويا مكتوبا ومتوافقا عليه، يمكن لأي عضو من أعضاء الحزب الفائز أن يسير عليه، ولكنها تعتمد الأشخاص (شخص واحد فقط / يمكن أن نلقبه بالزعيم) في غياب كاملٍ للعملية الديمقراطية المُفضيّة لتداول السلطة داخل الحزب نفسه، هذا الشخص، يكون بمثابةِ البؤرة التي يدور عليها فلك الحزب ككل، دون أي معيار موضوعي، وفي غيابٍ فاضحٍ لمبدإ تداول السلطة، وتبني مشروع الإصلاح المتفق عليه، ورفعٍ للقيادات التي تحتكر المنافع المادية والمعنوية داخل الحزب، " فأصبحت الأحزاب السياسية المغربية مجردَ نوادٍ سياسية مغلقة، كما ظلتْ عُقدةُ الزَّعيم غيرَ قابلةٍ للحل، إلا بوفاته أو عن طريق الانشقاق من الحزب الأم"، وهذه الحالة هي التجلي الأوضح في الانفصام الذي تعيشه هذه الأحزاب التي ترفع شعار الديمقراطية، وهي نفسُها لا تستطيع أن تتقبلها كمبدإ وكمشروع للحياة السياسية الحقيقية.
فيتحول الحزب بذلك من حالة اصلاحية تجديدية تطويرية، الى عبءٍ آخر ثقيلٍ يُفاوِض باسم الإصلاح لكسبِ الرِّهان، وتنمية مصالحه المحدودة ومنافعه الضيقة، عن طريق تقديم تنازلاتٍ والانغماس الى الرُّكب في المناورات السياسية، والاستقواء بالدولة على الخصوم، وإذلال المواطن، وانتهاك المسؤولية الأخلاقية لتدبير الشأن السياسي، وإقصاء الطاقات الشابة الواعدة والطموحة والراغبة في الإصلاح حقيقةً لا شعارًا.
لقد أدى هذا الانغلاق السياسي الى يأس الشعب المغربي من هذا النفاق السياسي، المبني على الوعود الزائفة والرشاوى وتعزيز المركزية والارتباط الوثيق بالمرجعية التاريخ، بدل الاهتمام بالقضايا الراهنة الحقيقية والملحة لدى المواطن المغربي.
إن المصيبة التي نعيشها ويعيشها العالم العربي بأسره، هي مصيبة انفصام الواقع عن الفكر، فأولئك العجائز الذين بلغوا من العُمُرِ عِتِيَّا، مازالوا يُصرُّونَ على البقاء في مواقع السلطة ومراكزِ القرارِ، وتسيير مجتمعات أكثر من 60 % من سكانها شبابٌ، وقيادتها بِعَقْلِيَّةِ زمنِ اليُوطِي وشار ديغول. ومعظمهم لم يَسمع حتى بالفيسبوك أوالتويتر أواليوتوب، ولا ماذا تعني هذه الأشياء !!!، وكلهم بدون استثناء، لا يُحسنونَ تحريرَ صفحةٍ واحدةٍ من شاشة الحاسوب على ورقة عبر الناسخ الالكتروني، أما المصيبة الكبرى أن غالبيةَ رؤساء المجالس البلدية في المغرب أمِّيُّونَ لا يحسنون لا القراءة ولا الكتابة، وبعضهم لم تعرف قدماه عتبة المدرسة، وأوفرهم حظا وعلما، هو من حاز شهادة الخامس ابتدائي. وأكثر ما يُحسنونه هو إعطاء الأوامر، في حين أن ما نحتاجه فعلا ليس الأوامر وإنما روحٌ شبابية تشاركية، تفتح المجال لكل من له رغبة وكفاءة يمكن استثمارها في خدمة هذا المواطن المظلوم، وحل مشاكل شعبه البسيطة التي لا تحتاج الى مال، بقدر ما تحتاج الى مؤمنٍ حقيقيٍّ واع بقضية المواطن وحقوق المواطن. فأي مدينة سننتظر من قوم عندهم انفصام تام مع الواقع الحالي، ومازالوا يعيشون في زمن الاستقلال الغابر، ويحلمون به أحلام اليقظة!!
وصدق الشاعر إذ قال:
وإنَّ سَفَاهَ الشَّيْخِ لا حِلْمَ بَعْدَهُ *** وإنَّ الفتَى بَعْدَ السَّفاهَةِ يَحْلُمِ
ودمتم سالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.