العملية الأمنية، التي باشرتها القوات المسلحة الملكية في معبر الكركرات، لا شك أنها ستنهي الأزمة التي ما فتئت جبهة البوليساريو تفتعلها بين الحين والآخر. حركة العبور أصبحت سالكة وآمنة، والحركة الاقتصادية والمدنية والإنسانية أصبحت مؤمنة بشكل يجعل شريان الربط بين المملكة المغربية، ومن خلالها أوروبا، وعمق إفريقيا جاريا دون مخاطر. غير أن العملية الأمنية في معبر الكركرات سيكون لها أثر كبير على قضية الصحراء المغربية، ليس فقط على مستوى الأرض، لكن أيضا على المستوى الديبلوماسي. لقد تأكد المنتظم الدولي من عبثية جبهة البوليساريو ومن خبث الذين يسيرونها، وبالتالي تبين للعالم أن الذين صنعوا جبهة البوليساريو ووجهوها لأهداف جيو استراتيجية لا مصلحة لهم في إيجاد حل لقضية الصحراء المغربية. المنتظم الدولي، من خلال تأييده لعملية المملكة المغربية في معبر الكركرات، اكتشف بالملموس والواضح صدق خطاب المغرب ورغبته في إيجاد حل دائم وواقعي لقضية الصحراء المغربية، وأن الطرف الآخر إنما يماطل ويعمل على استدامة هذا الصراع المفتعل. من هنا تأتي تطلعات المغرب الصارمة في الدعوة إلى تغيير منهجية التفاوض، وهي دعوة تؤكد على جوهر الأطراف خصوصا الطرف الآخر المتمثل في حكام الجزائر. مطالبة المغرب بتغيير منهجية التفاوض حول حل مشكل الصحراء من خلال الأممالمتحدة يضع تحديدا واضحا لعمق المشكل، ويؤكد مرة أخرى أن قضية الصحراء هي نزاع مغربي جزائري استعملت فيه الجارة الجزائر، أو بالأحرى حكامها، مجموعة من الصحراويين، الذين تم اختطافهم من الأقاليم الجنوبية في سبعينيات القرن الماضي وتم تجميعهم في خيام بمنطقة تيندوف على أراض تحت الإدارة العسكرية الجزائرية. التطورات، التي تشهدها قضية الصحراء المغربية، لابد أن يتم التعامل معها من خلال ثلاثة عناصر: - العنصر الأول يتمثل في تأمين أمن واستقرار الأقاليم الجنوبية المغربية سواء على مستوى الأمن المادي أو الاقتصادي. هنا تأتي بالدرجة الأولى الحركية التنموية التي تشهدها هذه الأقاليم والمشاريع المستقبلية، التي تم الإعلان عنها كأوراش في هذه المناطق. - العنصر الثاني يتمثل في استغلال الدعم الديبلوماسي الدولي من أجل القطع مع الأطروحات التي تستهدف الوحدة الترابية للمملكة المغربية، واستنفار كل الجهود الديبلوماسية والمرافعة حول شرعية وعدالة قضية المغرب في حدوده الترابية. - العنصر الثالث، والذي يتطلب البحث عن مداخل، ويتمثل في تخليص المحتجزين المغاربة بمخيمات تيندوف من الاستغلال الجزائري لهم. في هذه النقطة يجب الانطلاق من كون الصحراويين المحتجزين في تيندوف أو المغرر بهم في الشتات، ليسوا أعداء، بل هم ضحايا بالدرجة الأولى. ولابد هنا من التذكير بموقف الولي مصطفى السيد مؤسس جبهة البوليساريو، الذي رفض من البداية قيام مخيمات تيندوف وأدى ثمن موقفه ذاك من حياته. المغاربة اليوم مطالبون بأن يجدوا طريقة لإنقاذ المحتجزين من البؤس والاستغلال الذي يعيشونه. وهنا لابد من إيجاد طريقة لتفنيد ما تم حشو أدمغة الكثير منهم به من أن عدوهم في الضفة الغربية، وتنبيههم إلى أن عدوهم الحقيقي هم أولئك الذين يستغلونهم كدروع بشرية سواء من حكام ومخابرات الجزائر أو من بعض أبناء عمومتهم، الذين باعوا ضمائرهم للعدو مقابل منافع ومصالح. إن ورش المصالحة وشرح الحقائق يوازي الأوراش التنموية، التي تشهدها الأقاليم الجنوبية. وورش المصالحة يجب أن يشارك فيه الجميع على رأسهم أبناء الأقاليم الجنوبية إلى جانب كل السلطات الحكومية والمجتمع المدني وكل المغاربة. لقد طال أمد مشكل الصحراء المغربية وحان الوقت لحله أولا بقطع الطريق أمام تجار المآسي وأصحاب المصالح الجيواستراتيجية وصنيعتهم من قيادة البوليساريو، الذين يوجد منهم من لا علاقة له أصلا بالأقاليم الجنوبية المغربية. وثانيا بالإجماع حول مشروع مجتمعي يحقق لكل أبناء الجنوب وللمغرب بصفة عامة شروط النماء في دولة الحق والقانون.