يعد مارتن سكورسيزي من أصدقاء المهرجان الدولي للفيلم بمراكش, سبق له ترأس لجنة تحكيم دورة من دوراته, وحضر العام الماضي في تكريمه صديق الفنان الكبير دي نيرو, ويحضر هذا العام في دورته 18 بعرض فيلمه الرائع "ايرشمان" في إطار العروض الخاصة. من قال إن الجمهور عندنا لا يتابع السينما أو هجر القاعات فليتابع ما يجري في الدورة 18 لمرجان الدولي للفيلم بمراكش , المشكل لا يكمن في الجمهور أو المتلقي بل في ما يقدم لهم لهم محيوب اعتسافا على أنه فن سابع, والحقيقة أنه ليس كذلك, حينما يقدم له عمل حقيقي, انتظر الإقبال لا محال' والنموذج كان واضحا في عرض الفيلم الأخير للمخرج الأمريكي"ايريشمان" أو "الرجل اإيرلندي" يوم الاثنين الأخير بقصر المؤتمرات. لم يمنع تساقط الأمطار من أن يكون الحضور الجماهيري كبيرا من حيث العدد, بل صار يتقاطر قبل موعد المبرمج لانطلاق عرضه بساعة, ظل الجميع يتابع ومندمجا في أحداثه ولم يغادروا القاعة رغم طول مدة العمل والبالغة ثلاث ساعات و عشرين دقيقة. حضر من فريق العمل اللمثل هارفي كيتل, بينما تعذر الأمر على سكورسيزي ودي نيرو, واكتفيا بارسال فيديوهين. "ايرشمان" فيلم ملحمي في دراما الجرائم, جمع لأول مرة تحت إدارة المخرج سكورسيزي النجمين الكبيرين رويرت دين يرو وآل باتشينو, بعدما سبق لهما العمل سويا في فيلم يحمل عنوان "حرارة" لمايكل مان, ما كان لهذا العمل المتميز أن يجد طريقة للشاشة لولا ظهور البث التدفقي, وتحديدا العملاق السينمائي الجديد "نيتفليكس" فهو ليس وليد اليوم بل انطلق التفكير فيه قبل عشر سنوات. وكان روبرت دي نيرو وقع مسبقا على دوره كقاتل محترف, وما عطل صدوره أن السيناريو الأول الأول كان في شكل معالجة قام بها مارتن لرواية "شتاء فرانكين ماشين" لدون وينسلو . في هذا الوقت كان دي نيرو منكبا على قراءة كتاب "سمعت أنك تطلي المنازل" لكاتبه تشارلز برانت, فاقترح على سكورسيزي قراءته. واتفقا معا على أنه من الممكن صنع حكاية من خلال الجمع بين الكتابين, حاولا إقناع شركة "باراماونت بيكتشرز" دون جدوى , بعد هذه الرحلة هنا تدخل على خط الكتابة السيناريستية ستيف زيليان. أما شركة الإنتاج فقررن الانسحاب على خلفية الفشل الذريع على مستوى إيرادات فيلمها "صمت" مع مارتن سكورسيزي, لم يتمكن من بلوغ نصف ميزانيته, فاستغلت شركة نيتفليكس هذه الفرصة, ويبدو أنها كانت في حالة ترقب لها وتنتظرها ولم تضيع الكثير وقت لتنقض على مشروع فيلم "الرجل الإيرلندي" ورصدت له ميزانية ضخمة وصلت قيمتها إلى 160 مليون دولار. يسلط فيلم "الرجل الإيرلندي" الضوء على الجرائم المنظمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية, من وجهة نظر فرانك شيران ضابط سابق في الحرب نفسها, أصبح بعدها مجرما نصابا وقاتلا, اشتغل مع أبرز وجوه الجريمة المنظمة خلال القرن العشرين, وركز فيه سكورسيزي بشكل كبير على فترة بلفها غموض كثيف في تاريخ الولاياتالمتحدة الأمركية من خلال الغوص في أعماق مافيات والكشف عن كل علاقاتها المتشابكة بما فيها تلك المرتبطة بالعالم السياسي . اخار مارتن سكورسيزي فيلم "ايرشمان" أن يروي قصة القاتل والمجرم فرانك شيران بأسلوب الفلاش بلاك , إذ يعترف طيلة مدة الفيلم بالجرائم العديدة المقترفة من طرفه أمام عراب المافيا السابق راسيل بوفالينو "بيتش" ورئيس اتحاد سائقي الشاحنات جيمي هوفا, وكتششع عبز هذا السرد بشاعة الجرائم وسطوة المافيات في ذلك الوقت ةعدم ترددها في تصفية كل من يقف عائقا أمام مصالحها. فيلم ّالرجل الايرلندي" مهما كتبت عنه لن توفيه حقه, عمل للمشهدة فقط, كان في غاية الروعة, لا يمكن إلا أن يجعلك تتابعه رغم طول مدته, بيد أنه من الظلم أن تحرم القاعات السينمائية من هذا العمل بحكم إنتاجه من طرف "نيتفليكس", سيفقد الكثير من جماليته وسحره, السينما إنما خلقت للقاعة.لهذا ناشد مخرجه المشاهدين وبشكل كبير في حوار له بعدم مشاهدته على الهواتف النقالة, ماذا عساه أن يقاوم أمام هذا المد الكاسح لعمالقة البث التدفقي.