حين طلب زكريا سكوادرا، كابو إلترا الغرين بويز وقائد الفيراج الأخضر، من الجميع الصمت والإنصات إلى تلك الحناجر الفلسطينية القليلة التي كانت تجلس بمحاذاة المنصة الرسمية، والتي ظلت تردد اللازمة الأخيرة لأغنية «رجاوي فلسطيني» التي تقول «بغيت نمشي.. شكون يديني»، حتى بعد نهايتها في الماكانا.. تبدى أن صوت الشباب العربي امتد فجأة من الدارالبيضاء إلى القدس لاغيا كل الحدود والحواجز، ومعبرا عن حالة التوحد القديمة الجديدة.. التي تعيش فيها الشعوب العربية مع القضية الفلسطينية. كان وجها مشرفا ومشرقا ذلك الذي ارتدته الأولترا الخضراء أول أمس الإثنين بمركب محمد الخامس، ومن ورائها الآلاف من الجماهير بمناسبة مباراة الرجاء البيضاوي وهلال القدسالفلسطيني في مباراة ذهاب الدور الثاني لكأس محمد السادس للأندية العرب. انبعث الصغير حافي القدمين «حنظلة»، أيقونة ورمز النضال الفلسطيني في رسومات الشهيد ناجي العلي، في المدرجات الجنوبية المسماة «الماكانا» عند الرجاويين، في التيفو الذي أبدعته أفكار أولترا «الكرين إيغلز»، يتوسط وسم «حتى النصر». استقرت الفكرة عند «حنظلة» كرسالة بعثتها الأولترا الرجاوية للجميع، بأن لا نجم في هذا النضال الطويل سوى ذلك الصغير، المهجر من أرضه، الفاقد لبيته، والمنتظر دائما تلك العودة المنشودة إلى وطن مازال يئن تحت الكثير من المحن. لأول مرة تتخلى الأولترا، ومعها الجماهير المحتشدة في المدرجات، عن التشجيع غير المشروط لفريقها المفضل فقط، وبعث رسائل تستفز الخصم. بين كل أغنيتين رجاويتين، كان السديم الأخضر يردد: فلسطين.. فلسطين.. أو «ما نسمح فيك ياغزة.. وخا عليا بعيدة».. ولأن البعد العربي للأغاني الرجاوية كان قد وصل منذ زمن إلى الأشقاء في فلسطين، فإن حارس مرمى هلال القدس، كثيرا ما تجاوب مع الحناجر الرجاوية على امتداد الشوطين، لدرجة أن البعض خاله «بايع الماتش» في استقراء متسرع وساخر، لحالة عدم التركيز التي بدت عليه، وهو يتماهى مع صداها المتردد في كل مكان في الملعب. في المدرجات.. انتهت المباراة كما بدأت. حتى وقد هزموا بواحد لصفر، لم يفوت لاعبو هلال القدسالفلسطيني الفرصة دون تقديم تحية خاصة، طويلة وحارة، للجماهير الرجاوية، في دورة شرفية أخيرة. جماهير الرجاء لم تغادر الملعب وانتظرت، على مدى منعرجات مركب محمد الخامس الأربع، وصول الفريق الفلسطيني إليها. في كل منعرج، رمت الجماهير الخضراء هدايا تذكارية أو ورود، أو «كشكولات الألتراس الحضراء» للاعبي هلال القدس، الذين وضعوها على الأكتاف فورا. توقفوا كثيرا لأخذ صور تذكارية مع رجال الأمن، وكثير من المتسللين الذين رغبوا في تخليد زيارة عزيزة ونادرة. لم يعبأ الرجاويون كثيرا للنتيجة التقنية غير المطمئنة للمباراة. في ليلة أول أمس كان الاحتفال بالضيف الفلسطيني أكبر وأهم من نتيجة مباراة عابرة. كانت ليلة رائعة امتزجت فيها الكثير من العواطف لتصنع عرسا كاملا، لم تشبه شائبة. كانت ليلة كتلك التي نتمناها دائما في محفل محمد الخامس التاريخي والكبير.