الاغتصاب واغتصاب شخص في وضع ضعف هما التهمتان اللتان يواجههما الأكاديمي والمفكر الإسلامي السويسري، طارق رمضان، الذي تقرر الإبقاء على حبسه احتياطيا من قبل السلطات الفرنسية في قضية تعد بمزيد من التشعبات مع وجود ثلاثة قضاة ينظرون في القضية، والكشف عن اختفاء وثائق هامة من الملف، ووجود الضحايا تحت الحراسة خوفا من الانتقام وتصاعد أصوات تدافع عن الداعية المثير للجدل باعتباره ضحية مؤامرة. كانت صحيفة «لو باريزيان» أول من كشف عن مسار وثيقة هامة في قضية طارق رمضان. وهي الوثيقة التي اختفت في بداية التحقيق قبل أن تعود للظهور مرة أخرى في اللحظة الأخيرة. ويتعلق الأمر باستمارة حجز رحلة من لندن نحو ليون خاصة برمضان وتعود لتاريخ 9 أكتوبر 2009. وهو نفس التاريخ الذي تدعي فيه «كريستيل»، إحدى المشتكيتين، والتي لا ترغب في الكشف عن هويتها، أنها تعرضت فيه للاغتصاب. ووفقا للصحيفة، ففي 6 دجنبر، بعث محاميا المتهم هذه الوثيقة إلى النيابة العامة في باريس، وتحديدا لقسم P20 المسؤول عن إجراء التحقيقات الأولية. لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ يبدو أن هذه الوثيقة لم تصل إلى وجهتها. وكان المكتب قد أقر بالاستلام، دون إحالة الوثيقة. ولم يكتشف المحميان هذا الأمر إلا بعد الحراسة النظرية، حيث تنبه لكون المحققين لم يطرحوا أي سؤال بخصوص تذكرة الطائرة. بل إن الوثيقة لم تدخل على الخط إلا في فاتح فبراير دقائق فقط قبل المواجهة بين طارق رمضان والمشتكية. وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فقد وجه محاميا طارق رمضان طلبا إلى هيئة التفتيش العامة لمعرفة المسؤول عن إخفاء هذه الوثيقة لمدة شهرين تقريبا. وفي المستقبل، يمكن للدفاع أن يستخدم طرقا إجرائية أخرى، من خلال الاعتراض مثلا على توجيه لائحة اتهام طارق رمضان أمام غرفة التحقيق. هل تعد الوثيقة حجة غياب؟ يعمل ثلاثة قضاة على قضية رمضان. وكما يقتضي القانون، يجب عليهم بحث الاتهامات والتبرئة في ذات الآن، أي البحث عن أدلة البراءة وأدلة الإدانة. وفيما يتعلق بتذكرة الطائرة التي قدمها الدفاع، سيتعين أولا الإجابة عن هذا السؤال: هل كان طارق رمضان على متن الطائرة التي يقول إنه استقلها، خاصة أنه لم يقدم تذكرة الإركاب بل فقط استمارة الحجز؟ لذلك يجب التحقق من قوائم الركاب لدى شركة الطيران. فإذا تأكد الأمر هل سيعد ذلك حجة غياب؟ في الواقع هذا ما يؤكده محامو المتهم لأن رحلة لندن-ليون حطت في الساعة 18:35 في مطار سانت إكسوبيري، الأمر الذي من شأنه أن يبطل تصريحات المشتكية الثانية التي تدعي أن الأحداث وقعت في فترة «ما بعد الزوال». لكن وفقا للمحضر الذي اطلعت عليه ليبيراسيون الأمر ليس بهذه البساطة. فكريستيل لا تعطي توقيتا دقيقا: «اتفقنا على أن أوافيه في فندق الهيلتون في ليون بجانب كازينو فرعون. قال لي إنه سيصل في 9 أكتوبر 2009 في وقت مبكر من بعد الزوال.. ذهبت إلى الفندق في فترة ما بعد الزوال، ولا أتذكر الوقت بالضبط. وأرسلت له رسالة نصية قصيرة لأعلمه بحضوري كما اتفقنا». بعدها تحدثت المشتكية عن لقائها مع رمضان في حانة الفندق حيث شربا القهوة وتحدثا قليلا. بعدها وافقت كريستيل احتساء الشاي في غرفة رمضان. «لا أتذكر الوقت بالضبط ... ربما قبل ساعتين أو ثلاث ساعات من المؤتمر». فإذا كان طارق رمضان بالفعل على متن الطائرة فإنه لن يصل الفندق قبل السابعة مساءا. ولذلك سيتعين على القضاة أن يستعيدوا بدقة تفاصيل ذلك المساء ليسلطوا الضوء على الوقائع. لماذا كان رمضان في ليون؟ توجه طارق رمضان إلى ليون في 9 أكتوبر 2009 بدعوة من اتحاد الشباب المسلمين، وهي منظمة مقرها ليون، وذلك لإقاء محاضرة حول: فلسطين والإسلاموفوبيا. قبل أن ينتقل إلى المملكة المتحدة في منتصف سنوات 2000، كان طارق رمضان نشطا جدا في منطقة ليون التي أسس بها شبكاته الأولى. وحسب عبد العزيز الشامبي زعيم إسلامي في المنطقة ومقرب سابق من المفكر الإسلامي طارق رمضان، عرفت المحاضرة حضور حوالي 700 شخص. ووفقا للمصدر نفسه، فإن الداعية لم يصل قبل التاسعة في حين كان من المفروض أن تنطلق المحاضرة في الثامنة والنصف مساء. وحسب شامبي، فإن رمضان «يأتي دوما متأخرا». في بداية تلك الأمسية واجه الرجلان مشكلة. «كنت أجهز منصتين في قلب القاعة وبدا لي أنه انزعج عندما رآني. كان علي أن أتدخل قبل بضع دقائق من بداية مؤتمره لتقديم جمعيتين كنت قد أنشأتهما حديثا، لكنه رفض الأمر»، يشرح عبد العزيز الشامبي. ووفقا للشامبي، تم التفاوض حول الموضوع حيث تدخل البعض لإيجاد حل وسط إذ تم الاتفاق على أن تتكفل شاباتان ناشطتان في الجمعية المنشأة لتقديم العرض بدلا من الشامبي. «لقد اتصلت في ذلك الوقت برئيس جمعية إسلامية للتعبير عن استيائي»، يقول عبد العزيز الشامبي. حملة مساندة دولية قبل عشرة أيام تقريبا من اعتقاله، أطلق طارق رمضان حملته المضادة من أجل تعبئة شبكاته. وفي باريس، نظم المقربون منه اجتماعا في 20 يناير لإطلاق حركة دولية جديدة تحت اسم «المقاومة والبديل». والهدف المعلن من الحركة هو التصدي، وفقا للبيان الرسمي، ل«حملة التشهير ضد طارق رمضان»، وإنعاش «كل الفكر الذي يدافع عنه لمدة ثلاثين عاما». ومن بين المبادرين في هذه الحركة نجد: يامين ماكري رئيس دار نشر التوحيد في ليون، وفتح الله عثماني أحد مديري هيئة مراقبة قطاع المنتوجات الحلال، وياسين جمال رئيس اتحاد المسلمين الشباب، وسهام الأندلسي، التي تعمل منذ فترة طويلة مساعدة للداعية. ووفقا للمعلومات المنشورة على الشبكات الاجتماعية، ضم الاجتماع أكثر من 150 شخصا من 30 دولة. وحسب حنان بنرحوما رئيسة تحرير صحيفة سافيرنيوز يتعلق الأمر: «بلجنة دعم لا تعلن اسمها». الحملة بدأت بالفعل. «طارق رمضان سجين سياسي» إنها الجملة التي تظهر منذ يوم الاثنين، على صفحة حركة المقاومة والبديل على الفايس بوك. شبكة علاقات متشعبة منذ بداية هذه القضية، لا يكاد يكون هناك أي مظاهرات داعمة عامة من منظمات إسلامية في أوروبا، ولكن المفكر الإسلامي يمكنه حشد أكثر من ذلك بكثير، فالمحاضر الشهير يملك جوازي سفر سويسري ومصري. في الأشهر الأخيرة، حاضر رمضان في حوالي خمسة عشر بلدا (الأرجنتين والولايات المتحدة والدنمارك وساحل العاج وألمانيا وسويسرا وفرنسا وتركيا...)، وغالبا ما يكون مدعوا من قبل المنظمات الإسلامية، والجامعات أو الجمعيات التي تدور في فلكه. وقد نظمت الشبكة الإسلامية الأوروبية اجتماعا في فرانكفورت في منتصف شتنبر. وفي نهاية دجنبر، سافر رمضان إلى روسيا حيث تحدث مع المفتي العام وفي الهند أيضا كانت له جولة وهي الوجهات لم يكن متعودا عليها حتى الآن. وقد طور طارق رمضان على مدى العشرين سنة الماضية شبكة دولية كبيرة جدا، وضاعف من الأسفار والمؤتمرات التي يشارك فيها. وفي بروكسل، يمكنه الاعتماد على الشبكة الإسلامية الأوروبية وهو مركز الأبحاث الذي ساهم في تأسيسه. أما في قطر، وبدعم من والدة الأمير، يرأس الداعية المركز الإسلامي للتشريع والأخلاق. هندوكريستيل.. الضحيتان يستمر حبس طارق رمضان الذي يواجه شكايتين تتهمانه بالاغتصاب. وكان المفكر الإسلامي المثير للجدل قد وضع رهن الاعتقال قبل أيام من قبل محققي الشرطة القضائية في إطار التحقيق الأولي الذي فتح معه من أجل الاغتصاب والعنف. حكاية المفكر الإسلامي السويسري انطلقت مع الحملة العالمية لفضح المعتدين والمتحرشين، التي بدأت في أمريكا، وامتد مفعولها نحو باقي دول العالم. ففي أعقاب فضيحة وينشتاين ظهرت شكاية أولى لامرأة تتهم رمضان بالاغتصاب قبل أن تليها شكاية أخرى بنفس التهمة. وتتهم المدعية الأولى هند العياري المفكر الإسلامي باغتصابها في فندق في باريس سنة 2012. فيما تقدمت امرأة أخرى يشار إليها باسم كريستيل وترفض الكشف عن هويتها الكاملة بشكاية أياما بعد شكاية هند تتهم رمضان بالاغتصاب داخل أحد فنادق مدينة ليون سنة 2009. ونفى دفاع رمضان التهم الموجهة لموكله، وقدم وثائق من شأنها أن تقوض ادعاءات السلفية السابقة هند العياري، والتي باتت توصف حاليا بالناشطة النسائية. ومن بين هذه الوثائق محادثات على الفايس بوك تقدم فيها امرأة نفسها على أنها هند العياري، وتعود لسنة 2014 أي بعد مرور عامين على الوقائع المزعومة لكن رمضان لم يجب عن محادثاتها. ومنذ نونبر الماضي، وبعد فتح التحقيق الأولي، أخذ حفيد مؤسس جماعة الإخوان عطلة من جامعة أكسفورد البريطانية التي يعمل بها أستاذا للدراسات الإسلامية. ولم يقدم رمضان تصريحات حول القضية سوى مرتين الأولى في الفيسبوك، في نهاية أكتوبر، للتنديد ب«حملة التشهير التي أطلقها الأعداء»، وعلى تويتر، في بداية نونبر ينكر فيها اتهامات بالاعتداء الجنسي على قاصرين نشرتها صحيفة لا تريبين دو جينيف ورفع شكاية للتشهير. وتترأس هند العياري حاليا جمعية «النساء المتحررات» في فرنسا. وكانت قد نشرت كتابا في أواخر 2016 بعنوان «اخترت أن أكون حرة.. الهروب من السلفية في فرنسا». وفيه تحكي كيف عاشت سنوات طويلة من حياتها كامرأة سلفية قبل أن تقرر تغيير نمط عيشها كلية. وفي الكتاب نفسه أشارت هند لحادث الاغتصاب لكنها لم تصرح حينها بالهوية الحقيقية للمعتدي. وفي خروجها الإعلامي المثير قبل أشهر اتهمت هند رمضان باغتصابها عندما دعاها إلى غرفته داخل فندق باريسي سنة 2012. وقالت هند إنها كانت تواظب على الاستماع لنصائح ومحاضرات رمضان في الدين والاجتماع، وأنه دعاها على هامش إحدى الندوات إلى غرفته، وعندما رفضت الاستسلام لرغباته عنفها، لكنها اضطرت للصمت طوال هذه المدة خوفا من الانتقام. هدىالأندلسي