حين قال لي الجلاد أحمد سلامة.. لو وقف الله بين يدي وقال لي بأنك بريء ما صدقته بعدما فقدت الوعي عدة مرات من فظاعة الألم الناجم عن التعذيب الوحشي- و فقدان الوعي في ذلك الموقف يعتبر نعمة عظيمة - بدأت معي المرحلة الثانية،حيث عادوا وعلقوني من جديد بنفس الطريقة السابقة، والفارق الوحيد بينهما هو أن أصابع رجلي في هذه المرة تلامس الأرض فيما يبدو أنه إمعان في الإذلال من خلال ربط كل واحدة منهما وإبعادها عن الأخرى وأنا مجرد من الثياب ، ومن ثم تهديدي بالاغتصاب. وإ٬عانا في الترهيب والإذلال ، فقد قال المسمى أحمد سلامة بأنه سيأتي بأسير مغربي ويجبره على اغتصابي إذا لم أعترف، وليتني كنت أعرف ما يريدون أن أعترف به ،لأن ما هددوني به جعلني أتمنى الموت قبل أن ينفذوه ، و لأن ما سمعته من ذلك الجلاد ( أحمد سلامة) جعلني أوقن بأنه يمكن أن يقدم على ما هو أفظع ، فبعد أن حاولت أن أشرح له بأنني بريء قال لي بالحرف الواحد: « لو وقف الله بين يدي وقال لي بأنك بريء ما صدقته ». اللهم إن هذا منكر وقد أنكرناه . سألته عما يريدونني أن أعترف به ، فقال : أنت جاسوس موريتاني ويجب أن تعترف بدورك في شبكة الجواسيس الموريتانية وأين تدربت ، ومن دربك ، ومن يمول الشبكة ، إلى ما شاء الله من الأسئلة التي لا علم لي بجوابها، لأنها كلها مبنية على أساس من الكذب والتلفيق لا يمكن تخيله إلا في أفلام الخيال ، فأجبته بأني لا أعرف شيئا عما تحدث عنه بالرغم من أنني كنت تمنيت لو اعرف الأجوبة التي يمكن أن تخرجني من المأزق الذي أنا فيه. كانت فرائسي ترتعد خوفا من تنفيذ ذلك التهديد ، ولن يصدق أحد أنني فرحت عندما فكوا رجلي ورفعوني إلى أن كدت ألامس السقف وعلقوني من جديد، ثم انهال علي ذلك اللعين بالضرب بواسطة كابلات مفتولة بإحكام، إذ كان يضربني بها على الظهر والبطن كمن ينفض الغبار عن فراش، ولا يهمه إن كان الضرب بكامل القوة سيمزقه أم لا ، لذلك علمت أن ما هددني به مجرد تهديد للتعذيب النفسي. تمت الفرحة بالضربة القاضية على المعدة مما افقدني الوعي ، لأجد نفسي بعد ذلك مرميا في ذلك القبر وقد فكت قيودي وبجانبي " ملابسي " الملطخة بالدماء وقنينة بها ماء ، ولأني كنت عطشانا كان أول ما قمت به هو تناول تلك القنينة لأشرب منها، وكم كانت خيبة أملي عندما وجدت أن قنينة الماء مليئة بالنمل ، وكان في ركن القبر قنينة أخرى ظننتها فارعة فمددت يدي لأتناولها كي أصفي فيها الماء فإذا بداخلها أفعى حية ولم تكن مغطاة ، فعرفت أن علي ألا أنام مادام معي ذلك " الأنيس" ، لأنه يمكن أن أقلب القنينة وتخرج الأفعى ويكون منها ما لا تحمد عقباه. وحين تذكرت جزءا من الماضي ، قلت ربما كانت هذه من ضمن مجموعة أفاعي كنت قد أمسكت بها قبل ذلك بسنوات ضمن حديقة من الزواحف والحشرات كنت قد جمعتها لاستعمالها كوسائل إيضاح يوم كنت أدرس العلوم الطبيعية . كنت في سنواتي الأولى في تلك المدرسة ( 12 أكتوبر ) أعمل مدرسا للعلوم الطبيعية للمستويات الإعدادية ، ونظرا لفقر البيئة التي نعمل فيها وانعدام وسائل الإيضاح فقد عمدت إلى جمع بعض الحشرات والزواحف والطيور وكنت أفرغها من أحشائها وأغرقها في الكحول والملح من أجل الحفاظ عليها من التعفن لأيام حتى أتمكن من استعمالها في الأقسام كوسائل إيضاح. وكان من بين تلك الزواحف أفاعي كنت أضعها في قنينات من الزجاج لخوفي من سمها ، وأذكر أن بعض المدرسين الذين كنت أعمل معهم كانوا يتجنبون سريري خوفا منها وكانوا يسمونني " االحناش " ولم تكن هذه التسمية تعني شيئا بالنسبة لي إلى أن جاء ذلك اليوم المشهود الذي وجدت نفسي فيه محشورا في قبو مع تلك الأفعى التي لازلت إلى حد الساعة كلما تذكرت منظرها وهي تتلوى داخل القنينة أصبت بالقشعريرة.