قام رئيس مجلس المستشارين حكيم بنشماش، الإثنين بجنيف، بمساءلة الاتحاد البرلماني الدولي حول انتهاكات حقوق السكان المحتجزين رغما عنهم بمخيمات تندوف. جاء ذلك في كلمة للسيد بنشماش أمام الدورة ال 135 لجمعية الاتحاد البرلماني الدولي التي تدور أشغالها حول "دور البرلمان في الاستجابة الفورية عندما تنذر انتهاكات حقوق الإنسان بحدوث نزاع". وأكد رئيس المجلس المستشارين أن الجمعية البرلمانية للاتحاد البرلماني الدولي اعتمدت قرارات تتعلق بالاستجابة الوقائية والاستباقية للبرلمانات في حالات انتهاك حقوق الإنسان المؤدية إلى النزاعات، مذكرا في هذا الصدد بالقرارات المتعلقة بمكافحة الإرهاب من منظور الديمقراطية وحقوق الإنسان، وموضوع السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من منظور حقوق الإنسان، وكذا مكافحة الاتجار بالبشر ومعاداة الأجانب، بوصفها إحدى مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان. وأبرز أن تصدير دستور المملكة الذي يشكل جزءا لا يتجزأ منه، يكرس التزام الدولة المغربية ب"حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء؛" وكذا "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة." وأضاف أن هذا المنحى تم تكريسه في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، مشيرا على سبيل المثال إلى أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين يتضمن مقتضيات خاصة بعلاقة المجلس بمؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، والتي تتيح لرئيس مجلس المستشارين، بناء على قرار المكتب أو طلب رئيس فريق أو لجنة دائمة، أن يحيل على المؤسسات والهيئات الدستورية بما فيها، على سبيل المثال لا الحصر، المجلس الوطني لحقوق الإنسان والوسيط، طلب الاستشارة وإبداء الرأي بخصوص مشاريع القوانين أو الاتفاقيات الدولية وكذا مقترحات القوانين المعروضة على المجلس. وبالنظر إلى أن مهمة حماية حقوق الإنسان تتضمن أيضا الجانب الوقائي، وعلى مستوى العلاقات بين مؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها والبرلمانات، شدد السيد بنمشماش على أن البرلمان المغربي يعتبر أحد البرلمانات القليلة التي سلكت سبيل مأسسة هذه العلاقة، ذلك أن مجلسي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين) والمجلس الوطني لحقوق الإنسان قد استندوا، كل في مجال اختصاصه، على النقطتين 20 و 22 من مبادئ بلغراد من أجل توقيع مذكرة تفاهم، بتاريخ 10 ديسمبر 2014، حددت كهدف استراتيجي مشترك لها "التعاون والعمل على اعتبار المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان في مجالات التشريع ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية ". وأضاف أن مجلس المستشارين وبغية تقوية دور البرلمان في هذا المجال، اعتمد إستراتيجية عمل للفترة الممتدة من 2016 إلى 2018 تتضمن عددا من الإجراءات الأساسية ذات الصلة المباشرة بالاعتبار الأفقي لمقاربة حقوق الإنسان. ومن بين أهم هذه الإجراءات، يقول بنشماش تقوية الإطار التقني والمؤسساتي لدراسة مشاريع ومقترحات القوانين من منظور ملاءمته مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها، ووضع إطار منهجي لاعتبار مقاربة النوع في ممارسة مختلف الأدوار الدستورية لمجلس المستشارين؛ وتنظيم فضاءات للحوار العمومي والنقاش المجتمعي التعددي لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور وتحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. كما يأتي على رأس هذه الإجراءات وضع إطار مؤسساتي متكامل لآليات ممارسة الديمقراطية التشاركية والمشاركة المواطنة في مجال اختصاص المجلس ولاسيما عبر الحق في تقديم العرائض وملتمسات التشريع؛ وإحداث وحدة خاصة بالدعم التقني على مستوى الإدارة البرلمانية في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية مع الالتزامات الاتفاقية لبلادنا. من جهة أخرى، قال بنشماش إن استقراء التجربة المغربية في تدبير إرث الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان عبر هيئة الإنصاف والمصالحة كآلية للعدالة الانتقالية والتدبير السلمي للنزاعات، يبين أن انتهاكات حقوق الإنسان غالبا ما تترتب عن نزاعات ذات طبيعة اجتماعية وعدم تلبية مطالب فئات اجتماعية أو فشل آليات الوساطة المجتمعية. لذا، يقول رئيس مجلس المستشارين "بادرنا إلى اقتراح إطار أوسع للمعالجة وبكيفية استباقية، عبر النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية والانكباب على وضع الإطار التنفيذي لأهداف التنمية المستدامة، في أفق تقديم عناصر أجوبة واضحة على التحديات المتعلقة بالتضامن في كل أبعاده، وبإقرار المساواة الفعلية بين الرجال والنساء، وبتوسيع مساحات إعمال قيم الإنصاف وتكافؤ الفرص، وبجعل النمو الاقتصادي في خدمة العدالة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي والإدماج ومكافحة الفقر، وكذا بتقوية المكتسبات الوطنية في مجالات الحوار الاجتماعي والديمقراطية التشاركية". كما أشار بنشماش بالمناسبة إلى الإمكانات القانونية المتاحة لمجلس المستشارين وخاصة من حيث مأسسة آلية خاصة بحقوق الإنسان عبر التنصيص على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين والتي يتأتى لها دستوريا وقانونيا الدراسة والمصادقة على التشريعات المرتبطة بحقوق الإنسان؛ وتحليل وتقييم السياسات العمومية في مجال حقوق الإنسان؛ وتنظيم ندوات وموائد مستديرة تشارك فيها المؤسسات الوطنية المستقلة ذات الولاية في مجال حقوق الإنسان، وكذا منظمات المجتمع المدني، وتوجيه طلبات الرأي عبر رئيس مجلس المستشارين إلى المجالس والمؤسسات الوطنية المستقلة التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان. وأضاف أنه بالرغم من كونها لا تتوفر على اختصاص للتحقيق المستقل في القضايا التي يشتبه أنها موضوع خرق لحقوق الإنسان، فإن لها الحق أن تتحرك لاستدعاء الوزير المعني للأجوبة على تساؤلات أعضائها في الموضوع، كما أنها تتوفر على إمكانية القيام بمهام استطلاعية عند الاقتضاء. وفي ختام مداخلته، قدم رئيس مجلس المستشارين باسم الشعبة المغربية ست توصيات لتعزيز التحمل البرلماني في مجال حماية حقوق الإنسان والوقاية من الانتهاكات تهم العمل باعتبار تنوع الأنظمة الدستورية واختصاصات البرلمانات على إحداث لجان برلمان متخصصة في قضايا حقوق الإنسان تختص برصد وتتبع وضع حقوق الإنسان، والعمل باعتبار تنوع الأنظمة الدستورية واختصاصات البرلمانات في أنظمة الثنائية المجلسية على التنسيق بين غرفتي البرلمان فيما يتعلق بعمل اللجان البرلمانية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان؛ ودعم قدرات الإدارة البرلمانية في مجال آليات الإنذار المسبق والتحري والتقرير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان. كما تهم هذه التوصيات أيضا العمل باعتبار تنوع الأنظمة الدستورية واختصاصات البرلمانات على تطوير الأنظمة الداخلية للبرلمانات من أجل إحداث منظومة للوساطة والتدخل الاستباقي للبرلمان في الحالات والوضعيات التي يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات ممنهجة أو جماعية لحقوق الإنسان؛ وتعميم إعمال مبادئ بلغراد حول العلاقة بين البرلمانات الوطنية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ، عبر آليات مؤسساتية ملائمة تبعا للنظام الدستوري لكل بلد بما يضمن تعاونا مستديما بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان و البرلمانات؛ فضلا عن تعبئة المساهمة التقنية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان وباقي الوكالات الأممية المتخصصة والاتحاد البرلماني الدولي في هذا الصدد. وستتميز أشغال الاتحاد البرلماني الدولي بتقديم عرض حول الاستعدادات المرتبطة باحتضان المغرب للاجتماع البرلماني بمناسبة الكوب 22 في 13 نونبر المقبل بمراكش. ويتكون الوفد المغربي الذي يقوده بنشماش بالأساس من أمين مجلس المستشارين أحمد التويزي ورئيس فريق العدالة والتنمية نبيل الشيخي ومحمد سالم بنمسعود عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية.