تم مساء الخميس إعادة افتتاح متحف القصبة للثقافات المتوسطية بطنجة في وجه العموم ،حيث يمكن للزوار استكشاف معرض استثنائي، يتكون من تحف فنية وأثرية وإثنوغرافية تعكس تنوع وخصوصية منطقة طنجة ومختلف الحقب التاريخية التي عايشتها. ويحتوي المعرض على ثلاثة أقسام منظمة وفقا لبنية الموقع الاركيولوجي والتي تترابط فيما بينها موضوعاتيا وزمانيا بشكل سلس، مما يسمح للزوار برؤية جمالية شاملة تعكس القيمة الحضارية والعمرانية والروحية لهذا الموقع الثقافي المتميز ، والتطور الذي عرفته منطقة طنجة وتفاعلاتها الحضارية والانسانية والوجدانية مع باقي مناطق العالم. وأضحى المتحف ،الذي خضع لعملية ترميم دامت عدة اشهر ،أكثر جاذبية ويفي بالمعايير الدولية لصيانة وحفظ التراث، وبتصميم سينوغرافي جديد يثمن قيمة المعروضات في أبعادها الكاملة ، ويمكن من ابراز الخصائص المتميزات للمجموعات المعروضة. وقد اندرجت عملية ترميم الموقع في إطار استراتيجية المؤسسة الوطنية للمتاحف ،التي ترمي إلى جعل المتاحف أكثر أنخراطا في محيطها الثقافي وجاذبية، وأكثر تلبية للمعايير الدولية للمحافظة على التراث ،وكذا تحسين إدارة المجموعات المتحفية، وتجديد سينوغرافيا المعارض الدائمة. وأكد رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف مهدي قطبي ،في كلمة بمناسبة حفل الافتتاح الذي حضره شخصيات من عالم الثقافة والفن والديبلوماسية والاعلام ، أن ترميم المتحف واعادة افتتاحه في حلة جديدة يحقق واحدا من الاهداف الرئيسية والاستراتيجية للمؤسسة لجعل المتاحف فضاءات اكثر جاذبية والتعريف بالموروث الاثري والحضاري للمغرب، وفضاءات ثقافية منفتحة على محيطها العام في اطار دينامية التنمية. واضاف ان اعطاء نفس جديد لمتحف القصبة للثقافات المتوسطية ،كتراث وطني متفرد، يسمح للمؤسسة بان تقدم لساكنة مدينة البوغاز وللمغاربة وللسياح الذي يزورون المدينة، فضاء ثقافيا غنيا بعرضه وعمرانه وتمنح فرصة التمتع بفضاء متحفي من نوعية خاصة لمعرفة المزيد عن ثراء تراثنا المغربي وغناه وتنوعه، مشيرا الى انه تم تجديد هذا المتحف في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص ،مع ما يقرب 80 بالمائة من تكلفة الانجاز التي ساهم بها أحد رعاة العمل الثقافي. وأشار مهدي قطبي في هذا الصدد إلى الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم 9 يوليوز الجاري بمناسبة الحفل الأول لموسيقى البحر الأبيض المتوسط، المنظم بقصر الأمم بجنيف ،والتي دعا فيها جلالته الى أن "نستعيد إنسانيتنا ونعيد للفضاء المتوسطي مجده وعزته، وهذا ما يسعى المغرب جاهدا لتحقيقه بتعاون وتضامن مع بلدان أخرى، انطلاقا من تشبثه واعتزازه بانتمائه المتوسطي (..) ،وهنا يأتي دون ريب دور الفنان، الذي أنيطت به مهمة إحياء هذه الثقافة التي رأت النور في كنف الفضاء المتوسطي. إنه دور يقوم على تغذية الروابط التي تجمعنا بهذا الفضاء وقيمه". ومن جهته، قال كاتب الدولة الفرنسي المكلف بإصلاح الدولة، جان فانسان بلاسي، ان افتتاح مثل هذه الفضاءات الثقافية الرمزية هو الرد الامثل على بعض الاختلالات الاخلاقية والاجتماعية التي يعرفها العالم حاليا والتي لن تمحو القيمة الانسانية للروابط الثقافية والبعد الرمزي للثقافة في حد ذاتها ،معربا عن سعادته لاكتشاف و إعادة اكتشاف، عبر زياراته للمغرب ،التعبيرات المختلفة الجميلة للثقافة المغربية وثقافة البحر الأبيض المتوسط ، و"هي الثقافة العزيزة على قلب فرنسا والتي هي أيضا في صلب العلاقات الفرنسية المغربية المتميزة". واعتبر المسؤول الفرنسي ان "منطقة البحر المتوسط توجد اليوم في وضع معقد وغير مستقر ويغلب عليه الطابع المأساوي "، مبرزا اهمية "اعادة بناء وتوطيد أسس العيش المشترك وإعطاء معنى للحياة في هذا الفضاء المشترك.. والمغرب له دور حيوي في هذا المجال لضمان الامن والاستقرار وتطوير الديمقراطية في هذا الفضاء الإقليمي المشترك". ومن جهته ، قال مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر والمسؤول عن المشروع العلمي لمتحف القصبة عبد العزيز الإدريسي، أن هذا المشروع يسعى بالأساس الى إبراز الروابط الثقافية المتوسطية المشتركة في أبعادها الحضارية والجمالية والرمزية ،وكذا إظهار الدور الذي اطلعت به الحضارة المشتركة لحوض المتوسط بضفتيه لتماسك التعايش الحضاري والانساني الذي أثر بشكل ايجابي في تطور الانسانية . وقد خضع مبنى المتحف للعديد من الأشغال التي همت ترميمه و تجديده، خصت إحداها تسهيل حركية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة،وسيتم في المستقبل المنظور تعزيز المتحف بمعدات سمعية و بصرية حديثة، ستمكن من إضافة بعد علمي إلى التجربة المتحفية للزائر. وينتظر أن يشهد المتحف أيضا و بشكل تدريجي، إحداث مقاربة وسائطية فعالة تهدف إلى منح الزائر فهما أوسع لمحتوى المعارض بالإضافة إلى الوسائل الكلاسيكية مثل بطائق المعلومات و النصوص الجدارية. ومن المترقب أيضا أن يقدم المتحف لزواره معدات إعلامية حديثة : فضاء للوسائط المتعددة، عروض تفاعلية، فضاء تربوي، أنشطة ترفيهية فضلا عن وثائق مخصصة لمختلف الشرائح العمرية للزوار، فضلا عن الجولات المرشدة التي ستنظم رفقة مرشدين محاضرين -مؤهلين. وبالإضافة إلى متحف القصبة للثقافات المتوسطية، شرعت المؤسسة في أشغال ترميم العديد من المؤسسات المتحفية الأخرى في عدة مدن مغربية.