أسماء لمنور وهي على الخشبة بشخصيتها القوية وصوتها الرائع، تكون كالملكة على عرشها، تتسلطن وتطرب مستمعيها، خاصة عندما يتعلق الأمر بأغاني طربية أصيلة. هذه الكاريزما التي وهبها الله لها هي التي دفعتنا للإهتمام بمنتوجاتها الفنية وتحليلها بشكل أكاديمي وموضوعي. لكن عندما تنزع أسماء لمنور عباءة الفنانة وتطلق العنان للتهكم على منتقديها، تسقط في مطبات هي في غنى عنها، تتجرد من إحساسها المرهف ومشاعرها الجياشة، وتنساق لنزوات طاقمها الفني الرامية إلى الرد على منتقدي أغنية "ماشي رجولة" بطريقة جافة، بعيدة كل البعد على الحس الفني والإبداعي. الجمهور و خاصة النقاد لهم الحق في الحكم على العمل الفني، ولهم كامل الحرية في انتقاده، فهو في الأخير يبقى منتوجا فنيا قابلا للقياس. خرجة أسماء لمنور الأخيرة وهي في ضيافة مومو براديو "هيت راديو"، أجابت عن أسئلته المفخخة، بطريقة لاتليق بمستواها الفني الكبير، فكان كلامها جد قاسي، وبه نغمة تهكمية تجاه منتقديها، سواء كانوا من الجمهور ،أو بعض النقاد الذين وضعوا أغنيتها "ماشي رجولة" المثيرة للجدل تحت المجهر، وحللوا مقاماتها وإيقاعاتها وكلماتها بطريقة أكاديمية واتهمتهم بمحاربة الأغنية ونعتت انتقادهم بالسلبي. ولما أعطاها مومو فرصة الرد على منتقديها، قالت لهم عبر الأثير "هادي ماشي رجولة". النقد الموضوعي يحتاج لإمكانات معرفية أكاديمية ودراية عالية بالميدان الموسيقي، قادرة على التمحيص والتحليل. والناقد الناجح لابد أن يتسلح باليات وأدوات ،بها وبواسطتها يتمكن من عمله. لما اخترنا أغنية "ماشي رجولةّ" ووضعناها تحت المجهر، لم تكن لدينا نية سيئة في محاربتها، ولكن دافعنا كان تبيان نواقص لحنها وتوزيعها ورداءة كلماتها، بغض النظر عن الأداء والصوت اللذين لانشك في روعتهما. ونعتبر أن الأغنية المغربية قائمة الذات، لها مقوماتها الخاصة، تمتح من التراث المغربي، وتتقوى بفضل موروثه الثقافي. لاتحتاج لكلمات هجينة ولا لألحان رديئة لكي تسوق بالخليج. فهي ليست سلعة، تباع وتشترى ب"الركلام". الفن له قيمته الرمزية ورأسماله اللامادي، يتغذى من الأحاسيس الجياشة والمشاعر الصادقة. والمشروع الفني لايكتمل بدون نقد. وهو الحلقة القوية في الموضوع، وعلى المغني أن يتفاعل مع جميع الأراء ويستفيد منها إن كانت مقنعة وذات دلالات أكاديمية. لم نسمع خلال حلقة مومو على أثير "هيت راديو" أسماء لمنور الرقيقة التي تخرج ذهبا من حنجرتها الماسية. كل ما سمعناه كلام لايليق بمكانتها كفنانة محبوبة، لها شخصيتها العمومية القابلة للنقد والتقييم. أغنية "ماشي رجولة" لاتحتاج لأدوات ولا لاليات نقدية أكاديمية لتحليلها، فهي منتوج فني غير مركب أصلا، أجوف الأحاسيس والمشاعر، يحتوي على جملة موسيقية وحيدة وبسيطة، تتكرر على مدار الأغنية، من أولها إلى أخرها. أعتمد ملحنها على لحن دون المتوسط في شكله، واختار إيقاعات تحرك الأبدان فقط، ولاتتجاوب مع الأفئدة، ولا تخضع لمقاييس موسيقية أكاديمية، لحن محدد حسب الزمان والمكان، مدة صلاحيته تنتهي مع انتهاء الأغنية. كان على أسماء أن تقفز على الحواجز التي وضعها مومو بكل سلاسة، ولاتستخدم أسلوب رد الفعل ومصادرة النقاد حقهم في التحليل والتمحيص، لأن أي فنانة وفنانة معرض للإنتقاد، ومعرض للهجوم الفايسبوكي في كل لحظة. المواقع الإلكترونية والفضاء الأزرق والتويتر وغيرهم سيف ذو حدين، فكما نستخدمه للوصول إلى الملايين من المعجبين، يمكن أن يكون أداة نقد لاذعة في كثير من الأحيان. لأن الأذواق تختلف، بخلاف الناقد الموسيقي، فهو مطالب بأن يكون محايدا وموضوعيا في تحليله، اعتمادا على أدوات فنية وتقنية وفكرية أكاديمية. أغنية "ماشي رجولة" هي بناء عشوائي لايحتاج لأدوات تحليلية مركبة، ولا يحتاج المرئ أن يكون عبقريا ليلاحظ أنها كأي "بناية متداعية" هشة الأركان ضعيفة البنيان، آيلة للسقوط سريعا، كما حصل ل"الطيارة".