خمسة أشهر حبسا نافذا لكل واحد من المتهمين مع الغرامة ألف درهم والتعويض تضامنا فيما بينهما قدره أربعة آلاف درهم. بعد أن أغلقت الأبواب في وجهه بإتمام مشوار حياته بالضفة الأخرى، على اثر نزاع عائلي تسبب في إرغامه على مغادرة المدينة الصغيرة التي كان يقطنها إلى جانب زوجته الشقراء، حتمت عليه ظروفه القاسية خاصة المادية منها دخوله عالم العطالة، لكن بقاءه على هذا الحال سيؤدي بها لا محالة إلى التسول، خاصة أن «سمير» اسم مستعار ظل طيلة فترة طفولته وشبابه يعيش وسط أسرة مثقفة، وعادية، حياة مخالفة لما أضحى يصطدم به. ونظرا لحالته المادية التي أخذت في التأزم مع مرور الوقت تبعا للمقولة العامية “اللي عطاك اليوم ما غادي يعطيك غدا”، وللخروج مما يعيش على إيقاعه، كان لابد له من البحث عن عمل، ليبقى الباب مفتوحا على نوعية العمل الذي من خلاله يستطيع “سمير” كسب المال.. أهو عمل شريف يتطلب الكد والجد، أم عمل يستطيع من خلاله العيش على جيوب ضحاياه ولو بطريق الحرام.. ف ” الحلال بين والحرام بين “، لكن ما يهم المتهم في النازلة هو الحصول على مبتغاه، المال والاغتناء الفاحش، ومن بعده الطوفان قرر المتهم مع انطلاق خطته دخول عالم الشبكة العنكبوتية بحثا عن ضحاياه من النسوة المولعات بالدردشة بحثا عن زوج، استطاع من خلالها وفي ظرف وجيز أن يوقع بعدد منهن في حبه، على أساس أنه الرجل المناسب الذي يسعى من خلالها جلوسه أمام شاشة «الكومبيوتر» أن ينقض على كل من «ليلى» من مدينة مارسيليا الفرنسية، «خديجة» من مدينة تيزنيت، «سموية» من الدارالبيضاء، إضافة إلى الضحية رقم أربعة من إقليمتارودانت. هذه الأخيرة قضت مع المشتبه به الأول فترة ليست هينة، استطاع أن يوهمها أنه فارس أحلامها، مستغلا في ذلك بحثها عن شريك حياتها عن طريق الحلال. متمنياتها كلها كانت تصب في بناء عش الزوجية وتكوين أسرة صغيرة. تعلقت الضحية بمن اعتبرته، من خلال الدردشة الليلية، زوجها في المستقبل، وما زاد في فرحها وسرورها، تلقيها مكالمة هاتفية من إحدى زميلاتها التي كانت ملمة بالموضوع، تخبرها فيها أن “سمير”، أي المتهم يستعد لزيارتها للقيام بالواجب وإعلان خطوبتيهما. الشيء الذي جعل الضحية تهبه كل ما تملك، وتكشف له عن هويتها، وعن كل كبيرة وصغيرة في حياتها، ناهيك عن تسليمه صورتها الشخصية بطلب منه حتى يعرضها على والدته. بقيت العلاقة بينهما، مدة تزيد عن الخمسة أشهر، تقتصر على الدردشة والاستمرار في التعرف أكثر، لكن ما حدث كشف المستور، وكان مصير “سمير” وأحد زملائه السجن الفلاحي بتارودانت، بتهمة النصب والاحتيال عن طريق الابتزاز والتهديد باستعمال المعالجة الآلية للمعلومايات، وذلك عن طريق شكاية في الموضوع توصلت بها العناصر الأمنية بأولاد تايمة، تفيد فيها الضحية أنها تعرضت لعملية نصب واحتيال، من خلالها إقدام أحد الأشخاص الذي لا تعرفه إلا من خلال أوصافه، على فبركة صورة خليعة، أخذ يقوم بتهديدها بين الفينة والأخرى عبر نشر صورها بالحي الذي تسكن ونشرها على نطاق واسع عبر الشبكة العنكبوتية، وأنها أضحت مهددة في حياتها الشخصية، مضيفة في شكايتها أن المعني بالأمر قام بزيارتها إلى محل سكناها وكذا محل عملها، والأكثر من ذلك، طالبها بدفع مبلغ مليون سنتيم، مقابل إتلاف الصورة المفبركة، ولاثبات ما ادعته الضحية، كشفت عن بعض التسجيلات التي قامت بالتقاطها له وهو يهددها ويقوم بشتمها ونعتها بأقبح النعوت. وتحولت دردشته من كلام معسول إلى كلام قبيح. ومن أجل الإيقاع به وفك لغز الجريمة التي كان في طريق ارتكابها في حق من كانت تتمناه أن يكون زوجها على سنة الله ورسوله، وأب أطفالها في المستقبل. لكن الطمع والجشع غير مجرى حياة كل من الضحية والمشتكى به وتحول الحنان بين الطرفين إلى عداء. تقدمت الضحية نحو العميد وفي جعبتها، شكاية في الموضوع، مضيفة في تصريحاتها أن المشتبه به كان يراسلها عن طريق الانترنيت، حيث استغل بعض صورها التي التقطها بواسطة الحاسوب، ليقوم بفبركتها واستغلالها في تهديده إياها بالانتقام منها بنشر الصور ومقابل عدوله عن الفكرة والإقلاع عن ذلك كان يطلب مده بالمال. لذلك أخبرها أنه في طريقه إليها قادما من مدينة الدارالبيضاء قصد الالتقاء بها وتسليمه المبلغ المذكور، وقد ضرب لها موعدا بشارع محمد الخامس وسط المدينة بالقرب من إحدى الوكالات البنكية بحثا عن مبلغ مالي عن طريق الابتزاز حدده في مليون سنتيم، مدلية باسمه الكامل. على اثر الشكاية، وتنسيقا مع الضحية، عملت فرقة تابعة للضابطة القضائية لأمن أولاد تايمة، على نصب كمين للمتهم، أسفر على إيقافه وهو يبتز الضحية. بعد مفاجأته برجال الأمن وهم يقومون بتصفيده، تغيرت ملامح وجهه، وكانت أول تصريحاته ردا على التهمة، إنكاره معرفته للمشتكية، نافيا علاقته بالموضوع، مشيرا إلى أن شخصا يركن سيارة داخل المربد، طلب منه مده بأمانة ستسلمها لها المعنية بالأمر، وفي الوقت الذي اقترب منها فوجئ بإيقافه، الشيء الذي رأت فيه الشاكية تضليلا وتحريفا للواقع، فتدخلت على وجه السرعة وأكدت معرفة المتهم انطلاقا من أوصافه، وأنه الشخص نفسه الذي كان يراسلها عبر الانترنيت. مواجهته بتصريحات الشاكية، جعلته يتراجع عن أقواله السابقة، وفي سؤال حول حاسوبه موضوع البحث حيث توجد صور الضحية، أجاب بأنه تركه بالسيارة التي أقلته إلى مدينة أولاد تايمة قادما إليها من مدينة الدارالبيضاء، ثم بعدها أشار إلى مكان وقوف السيارة من نوع “فيات سيات”، تبين أنها في ملكية الموقوف الثاني وأن أوراقها سليمة، ليعمل رجال الأمن على حجزها وإيقاف زميله صاحب السيارة، مع حجز حاسوب محمول متوسط الحجم، إضافة إلى مفتاح الكتروني «clé USB”. اقتيد المشتبه بهما نحو مخفر الشرطة، وهناك خضع المتهمان لتفتيش دقيق قبل وضعهما تحت الحراسة النظرية تنفيذا لتعليمات النيابة العامة، في حين دخلت المحجوزات عملية الفحص، حيث تم الكشف عن الصور والتسجيلات التي كانت عبارة عن أشرطة فيديو تخص ضحايا المتهمين من بينهم صور المشتكية. تقرر حجز الكل لفائدة البحث كحجة في القضية. في نفس اليوم، استمعت الضابطة القضائية للشاكية التي أكدت تصريحاتها المدلى بها سابقا، مع الإصرار على متابعة الأظناء حول المنسوب إليهما. المتهم الأول، في تصريحاته المدونة في محضر أقواله، صرح أنه بالفعل ارتكب الجريمة في حق المشتكية، مستغلا علاقته بها عن طريق الدردشة، وقتها قام بالتقاط صور لها، ثم عمد إلى تهديدها بفضح أمرها ونشر وتوزيع صورها الخليعة، مطالبا إياها بفدية قدرها مليون سنتيم للعدول عن جريمته عبر إزالة ومسح كافة الصور والفيديوهات المسجلة. أما عن سؤال يتعلق بدور المتهم الثاني في القضية، أفاد المصرح أن الطرف الثاني كان على دراية بالواقعة من ألفها إلى يائها، وقد ارتأى الظنين إحضاره على متن سيارته بحثا عن الاستفادة من المبلغ المالي المحصل عليه من الضحية. وبعد هذه الاعترافات، ومن أجل التأكد من صحة المعلومات المدلى بها، قام الضابط المكلف بالملف، بمعاينة واستقراء المفتاح الالكتروني والحاسوب المشار إليه ضمن المحجوزات والذي هو في ملكية المتهم الثاني، حيث تم الوقوف على مجموعة من المعطيات تتضمن ملفات متنوعة، بكل واحد منهما مجموعة من الصور ولقطات الفيديو مصورة عن طريق الشبكة العنكبوتية، من خلالها تظهر مجموعة من ضحايا المتهمين من النساء وهن يقمن بإظهار أطراف حساسة من أجسادهن، من جهة ثانية تم الكشف بالحاسوب كذلك عن صور وفيديو آخر لشابة تقوم بمحادثة هذا الأخير وتظهر عضوها التناسلي. تقرر الاستماع مرة أخرى إلى الشاكية التي أكدت المشتكية مرة أخرى مضمون شكايتها، مشيرة أنها تعرفت على المتهم عن طريق الصدفة في أحد مواقع الشبكة العنكبوتية بالمراسلة والدردشة بغية البحث عن شريك لحياتها، من خلال الحوار المتبادل، أوهمها الظنين أنه مطلق، وأنه يبادلها نفس الشعور، حينها اشتدت علاقتهما ومراسلتهما اليومية، مؤكدة على أنها لم تكن تعرف في يوم من الأيام أن حلمها سيحوله المتهم إلى كابوس، أدركته بعد اتصال هاتفي من زميله الموقوف، على أساس أن هذا الأخير يتلاعب فقط بمشاعرها، وأن لديه صورا خليعة تهم المشتكية للإيقاع بها في مكيدة، ومن تم قرر قطع علاقتها به، وكردة فعل على الإجراء المتخذ، قرر الانتقام منها بالمنسوب إليه. استمعت الضابطة القضائية إلى كل من المتهم الأول، الذي أفاد انه عاطل عن العمل وليس له أي دخل قار أو مورد رسمي، وكشف أنه على علاقة مسبقة مع المشتكية التي تعرف عليها عن طريق الصدفة في موقع الكتروني، حيث توطدت العلاقة بينهما وأصبحا يتبادلان الحديث، ليحتدم الوضع فيما بينهما ويعمدان على الدردشة في مواضيع جنسية والتغرير بها وإنهاء الأمر باتفاقهما على نزع ثيابهما أمام جهاز الحاسوب، وقام بتصويرها، وحاول استغلال الصور، مشيرا إلى أن ما قام به مع الشاكية، قام به مع باقي ضحاياه، حيث يأمرهن بإزالة ملابسهن حتى يتسنى له معاشرتهن عبر الشاشة، حيث يقوم بتسجيلهن دون علمهن بذلك، يستعمل المقاطع المصورة من أجل ابتزازهن عن طريق تهديدهن بنشر المقاطع في حالة رفضهن إمداده بالمبالغ المتفق عليها، مؤكدا أن المشتكية تعتبر من ضحاياه، مع نفيه أية علاقة جنسية مع المعنية بالأمر في الملف. تصريحات المتهم الثاني الظنين الثاني، من مواليد سنة 1974 مطلق بدون أبناء، من ذوي السوابق القضائية من أجل تهمة التحريض على الفساد والنصب، أشار في تصريحاته أن أسرته تعيش ظروفا مادية قاسية، ما دفعه للبحث عن شغل لسد لقمة العيش، على إثر ذلك حل بمدينة الدارالبيضاء، وهناك تعرف على المتهم الأول بعد طلاقه من سيدة من جنسية فرنسية، كان اللقاء بإحدى حانات العاصمة الاقتصادية، توطدت العلاقة بينهما جراء اللقاءات اليومية بينهما بقاعات الانترنيت، وكان شغلهما الشاغل بتلك المخادع يقتصر على مراسلة مجموعة من الفتيات على اختلاف أعمارهن، أما فيما يخص علاقته بالموضوع الذي من أجل تم اعتقاله، فقد أشار أنه على علم بتفاصيل الملف، وعلى علم مسبق بما يقوم به الظنين الأول، وأن زيارته إلى مدينة أولاد تايمة، جاءت بطلب من المشتبه به الأول، مؤكدا أنه على علم بعملية الابتزاز التي تعرضت لها المشتكية، مع التصريح بأن له نصيب في العملية. أما دوره في النازلة، فاقتصر في بداية الأمر بالإبلاغ عما يقوم به الظنين الأول في حق النسوة بدعوى تنبيههن من خطورة ما ينتظرهن من فارس أحلامهن، كل ذلك بمؤامرة مع الظنين الأول، وذلك من أجل فتح المجال لهذا الأخير لإتمام الخطة باستعمال الابتزاز، مشيرا إلى أن المبلغ المصرح به من طرف المتهم الأول هو خمسة آلاف درهم. أطوار المحاكمة بالقاعة رقم واحد، وبعد تأخير الملف عدة مرات إما من طرف النيابة العامة من أجل تكييف التهم المنسوبة إلى الظنينين، وإما بطلب من الدفاع لإعداد الدفاع، دخل الملف مرحلة الحسم، بالمناداة على الظنينين، فحضرا وهما رهن الاعتقال، كما تمت المناداة على المصرح التي تخلفت، بحيث اكتفى دفاعها بالقول بجاهزية الملف للمناقشة. تم إعلامهما بالتهم المنسوبة إليهما، حيث يتابع الظنين الأول بتهمة النصب والاحتيال ومحاولة الحصول على مبالغ مالية عن طريق الإكراه. أما الثاني فتوبع بتهمة المشاركة، بعدها أعطيت الكلمة للمتهم الأول حول المنسوب إليه، ومن خلال تصريحاته، أكد كل الوقائع، مؤكدا على أفعال إجرامية المرتكبة في حق المشتكية وكذا في حق باقي ضحاياها الأخريات، نافيا في ذات الوقت كونه تعهد بالزواج بالمشتكية، وأن علاقته كانت منذ البداية مبنية على ممارسة الجنس عن طريق العادة السرية ، كما أكد على أن زيارته لمدينة أولاد تايمة كان الغرض منها حصوله على المبلغ المحدد في مليون سنتيم والذي لا زال بذمة المشتكية كسلف، نافيا كون المبلغ المذكور يدخل في إطار عملية الاتفاق المبرمة بينه وبين المعنية بالأمر قصد التخلي عن أفعاله بفضح صورها عبر توزيعها ونشرها على صفحات الشبكة العنكبوتية.