AHDATH.INFO- نيويورك – خاص يوم الأربعاء 4 فبراير، بعد أن قامت تنظيم "داعش" بإطلاق الفيديو الشنيع للطيار المقاتل الأردني الذي أُحْرِق حيا داخل قفص، تم إصدار بيان لافت للنظر بوكالات الأنباء في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: أعلن الملك عبد الله الثاني ملك الأردن أنه سيشارك شخصيا، الخميس 5 فبراير، في تنفيذ غارات جوية على مواقع تنظيم "داعش" الإرهابي انتقامًا لإعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة. ونقلت وكالات الأنباء عن ملك الأردن قوله: "إن الحرب ضد داعش لا هوادة فيها وسنضربهم في معاقلهم". ومن ضمن الجرائد التي حملت هذه المقالة كانت جريدة أخبار اليوم المصرية، وهي صحيفة مدعومة من قبل الحكومة منذ سبعين سنة مع ما يزيد على 1.5 مليون طبعة تم توزيعُها؛ الصحيفة اليومية الكويتية النهار؛ صحف إلكترونية عدة في العراقولبنان والمملكة العربية السعودية وتونس؛ وموقع مجمع أخبار في رام الله. بالإضافة إلى نشر الرسالة بحذافيرها، فإن معظم النشريات أظهرت كذلك نفس الصورة للعاهل الأردني في الزي العسكري. كما أن الصورة قد ظهرت في وقت سابق من ذلك اليوم في الأردن نفسها على صفحة الفيسبوك الرسمية للديوان الملكي الهاشمي. في الوقت الذي اعترضتني فيه القصة عبر وسائل الإعلام الإجتماعية، كانت قد وصلت بالفعل إلى الملايين من الناطقين باللغة العربية من بغداد إلى الدارالبيضاء. ولكن يبدو أنني كنت أول من غرّد حول هذا الموضوع بالإنجليزية: "تقارير تفيد بأن العاهل الأردني الملك عبد الله، وهو نفسه طيار، سوف يقود طلعة جوية مستهدفة لداعش". صارت التغريدة، مع الصورة لل"ملك المُحارب" أثناء قيادة غارة جوية ضد القوى الهمجية، مشهورة في الولاياتالمتحدة: ما يُقارب 1،600 إعادة للتغريدة خلال 24 ساعة، وما لا يقل عن ألف من النسخ المعدلة، ومئات التعليقات، فيما بينها: "إذا قام بذلك… سأضع له ملصقًا، مثل شاب مجنون، في مكتبي". "الآن هذا مستوى آخر كليا للغضب". "وبعد ذلك سوف يحط على متن حاملة طائرات ضخمة مع لافتة انتهت المُهمّة." وكانت حصة الأسد من ردود الفعل ذات لفحة سياسية يمينية: "أتمنى لو كان رئيسُنا شجاعًا مثل ملك الأردن. اذهب و اقض عليهم!" "وفي الوقت نفسه يزور أوباما بعض حفلات جمع التبرعات ورحلة غولف أخرى قبل الذهاب في عطلة" "هكذا هم الزعماء الفعليون! لا يمكن لأوباما أن يرقى إلى مستواه! " وقد وصفت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية المُحافِظَة الملك عبد الله، ذاك الأسبوع، كمقاتل نموذجي في الحرب ضد الإرهاب، على عكس "القيادة من الخلف". كما نشرت صحيفة واشنطن اكزامينر تقريراً إخبارياً حول الثناء الذي حصل عليه على قناة فوكس نيوز من مقدم برامج "شون هانيتي" ومضيفة الأخبار "إليزابيث هازلبيك"، وكذلك من صحيفتَي "بيزنس انسايدر" وال"إندبنبدنت" الإنكليزية. فقد أعربوا جميعاً عن دعمهم للملك في زيارته إلى واشنطن، حيث التقى الرئيس وعمل من أجل كسب دعم الكونجرس للحصول على مزيد من المساعدات العسكرية. ويبدو أن بعض النقاد جمعوا بين إدعاء الصحافة العربية الغير أمين حول خطط الطيران الشخصية للملك من جانب و الأقوال الفعلية للملك من جانب آخر، حيث اقتبس من فيلم كلينت ايستوود "غير مغفور" ووعد ب"القصاص من داعش كما لم يشهد لها من قبل". بلورت القصة سُمعته بأنه "شجاع حقاً" على حد تعبير المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي بيتر ليرنر في تغريدة كتبها بنفسه. ربما كانت هذه الضجة، سواء عن قصد أو عن غير قصد، تجربة النجاح الأولى التي قامت فيها مجموعة من الناس المعارضين ل"داعش" بمقاومة الهجمات التي يشنها التنظيم من أجل السيطرة على الحالة النفسية الدولية. فقد بدأ ذاك الأسبوع بطقوس حرق مثيرة للاشمئزاز، التي اعتقدت "داعش" أنها ستقوم بإضعاف معنويات معارضيها وجذب مجندين جدد من حول العالم. إلا أنه بدلاً من ذلك، انتهى الأسبوع مع الملايين من العرب وكذلك الأمريكيين وهم يتصورون في أذهانهم أحد قادة العرب المسلمين يقوم بهجوم على "الخليفة" الزائفة في خلفية منزله. كان هناك شعور سائد ليس فقط بأن التنظيم يمكن أن يُهزم، ولكن أيضا بأن الصور الحارقة من الكراهية يمكن أن تُنتزع. إذا انطلقت قصة الطلعة الجوية في العالم العربي كجزء من جهد مُنسق، كما أظن، فإذن ربما تكون النظرة إلى الدول العربية التي ظهرت فيها القصة للمرة الأولى تعطي لمحة عن الدول المشاركة فيها: مصر، التي تحكمها الآن حكومة عسكرية مضادة الاسلاميين. المملكة العربية السعودية، والتي تشن أيضا غارات جوية على "داعش" وهي رائدة في الدفع ضد الإخوان المسلمين. الكويت الموالي للسعودية، وداعم مالي مهم آخر للرئيس السيسي في مصر. تونس ما بعد الثورة، مع الرئيس المنتخب حديثاً المعادي للاسلاميين. لبنان، التي تتدفق إليها موجات من اللاجئين السوريين الفارين من الأسد ومن "داعش" كذلك. السلطة الفلسطينية الوطنية, المنحازة للولايات المتحدة فيما يتعلق بالتكتلات الإقليمية. وبقايا أمةٍ تدعى العراق. إن صورة "الملك المحارب" من طبيعتها أن تعكس العقلية النابعة من ثقافة سياسية يتميز بها الأردن: مملكة صحراوية بدون نفط ناضلت طويلا للحفاظ على التماسك الاجتماعي في مواجهة الانقسامات العرقية والسياسية. تشارك الأسرة الحاكمة النسب القبلي مع سكان البدو الأصليين للبلاد، في حين أن الغالبية من مواطنيها ينحدرون من الناحية العرقية الفلسطينية – أساسا أحفاد اللاجئين من الحروب العربية الإسرائيلية عام 1948 و 1967. شهدت السنوات ال 12 الماضية موجات جديدة من اللّاجئين، الذين فروا من فوضى العراق بعد الإطاحة بالرئيس صدام حسين والتي قادتها الولاياتالمتحدة، والحرب الأهلية الحالية المدمرة في سوريا. وفي الوقت نفسه، قد تكون بعض سياسات المملكة في صراع مع التيارات القوية في أوساط السكان: معاهدة السلام والتعاون الأمني القوي مع إسرائيل، على سبيل المثال، والمساعدة للغزو الأمريكي واحتلال العراق, ومؤخرا، دعم الملك للنضال العسكري الذي قادته الولاياتالمتحدة ضد داعش، الذي لم يكن يحظى بشعبية في الأردن قبل الأسبوع الماضي. خلال الأوقات العصيبة، اتخذ الملك الحالي ووالده الراحل خطوات لتجديد الرابطة العاطفية مع السكان باستخدام لَفتات بالغة الشخصية حاملة لمعاني رمزية. على سبيل المثال، وبعد بضعة أشهر على اعتلائه العرش في عام 1999، ذهب الملك عبد الله متخفيا، متنكرا في زي سائق سيارة أجرة، لسماع مظالم شعبه. وبعد بضعة أيام، ارتدى لحية بيضاء طويلة ورداءًا عربيًا تقليديًا في منطقة تجارية يرتادها الرجال في البدلات، للتحري عن الفساد وعدم المساواة بشكل مباشر في القطاع الخاص في البلاد. قامت المحكمة الملكية بنشر أنباء هذه الإجراءات، وسط ضجة كبيرة. حتى أن بعض أنصار الملك شبهه بالخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه, الذي اشتهر بجوبه الأحياء ليلا متخفيا للاطمئنان على حال رعاياه. بعد ذلك بعام، وخلال انتفاضة الأقصى عام 2000 في فلسطين وإسرائيل المجاورة، واجه الملك غضب شعبه حول تعاونه مع الدولة العبرية. فتبرع بالدم للفلسطينيين في مستشفى عمان. صورة لهذا الإجراء ظهرت على الصفحة الأولى من الصحف اليومية الأردنية، متضمنة رسالة تضامن كانت قد خففت الاعتراضات على علاقته مع إسرائيل. أما المركز الأول في الجرأة يذهب بالتأكيد إلى الأب، حسين، الذي ركب في وقت متأخر من الحياة دراجة نارية بسرعة أعلى بكثير من الحد الأقصى, لإختبار أجهزة رادار الجديدة في المملكة. استغرقت الشرطة 90 دقيقة للإلتحاق به. صورة الملك عبد الله وهو ينتقم شخصيا لقتل واحد من الطيارين تحطُّ بشكل طبيعي في هذا التقليد. كانت القصة غير محتملة ولكن معقولة: وإن لم يكن طيارا مقاتلا، فهو طيار هليكوبتر هجومية مُدرب والقائد السابق للقوات الخاصة في البلاد، ويطير طائرته الخاصة. انه قادر على اطلاق طلقات نارية والمساهمة في طلعة جوية، ولو كان ذلك رمزيا فقط فالمخاطرة محسوبة مع الفوائد الاستراتيجية في مسرحيته للحصول على دعم محلي ودولي أكبر. لاحقًا في اليوم الذي انتشرت فيه القصة، نفاها المتحدث باسم الحكومة الأردنية رسمياً. ومع وميض في عينه، وصف تلك التقارير بالكاذبة ولكن "خلاقة". كتبتُ تغريدات حول نفيه مرارا وتكرارا ونبهت الزملاء للتصحيح. ولكن للأسف، فقط بضع عشرات من الناس قاموا بالتمرير. وفي الأثناء، حتى وأنا بصدد كتابة هذه الكلمات، يواصل الملك المحارب تحليقه — مع إعادة تغريدة بعد أخرى.