* شهدت إسبانيا هجمات إرهابية كبرى وهي اليوم ليست بعيدة عن التهديدات الإرهابية. كيف يتعامل القانون الإسباني مع الظاهرة ؟ ** صحيح، ففي سنة 2004 شهدت إسبانيا واحدة من أكبر العمليات الإرهابية في تاريخها راح ضحيتها أزيد من 200 شخص وألفي مصاب. الرد على هذه الهجمات جاء بتفعيل القانون كما فعلنا سابقا مع منظمة إيطا الباسكية. تتوفر إسبانيا على خبرة كبيرة في معالجة قضايا الإرهاب والتي عانينا منها طويلا مع منظمتي إيطا وغرابو الانفصاليتين. الآن نواجه خطرا أكبر: الإرهاب الإسلامي الجهادي. نحارب هذا الخطر عبر ما يتوفر لدينا من ترسانة قانونية، حضرناها من قبل لمواجهة خطر إيطا. الآن نشعر بالفخر لأننا حددنا هوية منفذي اعتداءات 2004 القادمين كلهم من المغرب وقد قدمناهم للعدالة من أجل محاكمتم وفق شروط المحاكمة العادلة. * هل تعتقدون أن تجربتكم مع إيطا تساعدكم في مواجهة الخطر الجهادي اليوم ؟ ** نعم لقد أفادتنا كثيرا مع التحفظ حول بعض الخصوصيات. الأمر يتعلق بظاهرتين مختلفتين بالرغم من تشابهما في الآثار المدمرة التي تعقبهما. من الواضح أن الإرهاب الجهادي هو الخطر الأكبر على العالم اليوم، وهو ظاهرة عالمية تختلف كثيرا عن الإرهاب التقليدي، كما يمكنه أن يتجسد في عدة أشكال والتأقلم مع التطورات العالمية خصوصا استعمال التكنولوجيات الحديثة وتقنية المعلومات والتواصل. هذا الجانب التقني هو الذي عقد المشكل أكثر بالنسبة للدول التي تحاول القضاء على الإرهاب وهذا يجعل من هذا الأمر إشكالية صعبة للغاية اليوم. أبلغ رد على الإرهابيين المتطرفين اليوم هو الوقاية والتصدي للعمليات قبل دخولها حيز التنفيذ، ولهذا الغرض يجب وضع آليات قانونية للحيلولة دون وقوع هذه الهجمات الإرهابية. غير أن ما يزيد الأمر تعقيدا في هذه الحالة، هو عدم وجود أدلة واضحة ضد الجناة قبل ارتكاب المجازر. * عدد من الأئمة يوجهون الشباب المسلم إلى ارتكاب الهجمات الإرهابية عبر خطاباتهم المتطرفة عبر الانترنيت، غير أن هؤلاء الأئمة لا يتابعون قضائيا، لماذا ؟ ** أحيانا يكون التطرف السبب الأساسي وراء العمل الجهادي، وكما تعرفون فالخطاب المتطرف سلوك يصعب وضعه ضمن خانة المتابعة الجنائية. في الدول الديمقراطية، لا يعتبر الخطاب الأصولي مقارنة بقيم المجتمع المتعدد جريمة، حيث أنه يصبح سلوكا مكفولا ضمن حرية التعبير وحرية التفكير، وأحيانا مضامين الخطابات المتطرفة لا تعبر بوضوح عن النوايا الإجرامية أو التي يمكن متابعتها قضائيا. في إسبانيا، ودول أخرى مثل المغرب الذي يتوفر على قانون متقدم في معالجة الإرهاب والتأطير والاستقطاب يجد هؤلاء المتطرفون ترسانة قانونية واسعة في انتظارهم. القانون الإسباني يعاقب أيضا تداول التحريضات الإرهابية عبر الانترنيت والمواقع الاجتماعية أو التصريحات التي تشجع العمليات الإرهابية أو تتسامح معها كأشرطة ذبح الأشخاص وغيرها … غير أن الخطاب المتطرف يجب أن يتضمن تحريضات مباشرة على الإرهاب من أجل أن يصبح مجالا للمتابعة القضائية. أحيانا هؤلاء الأئمة يتموقعون في مواقع مبهمة وغامضة تجعل خطاباتهم تستعصي على هذه المتابعة. والأكيد أنه في حال تناول خطاباتهم لما يحرض على العنف أو الكراهية بصفة عامة بصريح القول، فإننا نتدخل بحزم. كل شيء يرتبط إذا بالسياق العام الذي تنتج فيه هذه الخطابات. * بعد الهجومات الأخيرة على فرنسا، صرح وزير الداخلية الأسبق شارل باسكوا أن توقيف فرنسا لتعاونها الأمني والاستخباراتي مع المغرب كان كفيلا بتجنيبها هذا المصاب الجلل. كيف تنظرون لهذا التصريح ؟ ** لا يمكن أن أصرح بجواب شافي في موضوع العلاقة الحساسة بين فرنسا والمغرب واليوم، وأعرف أن هناك تباعد في العمل الأمني والقضائي بين الجانبين في الفترة الأخيرة لأسباب لا يمكنني الخوض فيها. من قاموا بهذه الأعمال الإجرامية مزدادون في فرنسا وينتمون للجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين، ولا أعرف إن كان المغرب قادرا أو غير قادر على مد فرنسا بمعلومات حول الهجوم قبل وقوعه … * غير أنه من الواضح أن هذه التصريحات تعبر عن أهمية التعاون الدولي في مواجهة التطرف؟ ** الجواب على ظاهرة عالمية يجب أن يكون عالميا، هذا شيء واضح ولا مجال للمناقشة فيه. المغرب وإسبانيا وفرنسا، بلدان معنية بشكل مباشر بهذا الخطر الإرهابي لإن نسبة كبيرة من ساكنة هذه الدول تدين بالديانة الإسلامية، وبالتالي فإن المرشحين لاعتناق التصور المتطرف الجهادي أو أولئك الذين يؤطرونهم فكريا ويمكنونهم من السفر للتدريب أو القتال في العراق أو سوريا، هم في تزايد لأسباب كثيرة. أعتقد أن التعاون الدولي مهم جدا، وخصوصا مع المغرب. التعاون المغربي الفرنسي الإسباني يجب أن يتعزز أكثر في المرحلة الحالية والمقبلة لأنه في حالة التهاون في هذا التعاون، فإننا سنترك المجال مفتوحا للتنظيمات الإرهابية للعمل بحرية أكثر في هذه الرقعة الجغرافية التي تجمعنا. * كيف تقيمون العلاقة بين المغرب وإسبانيا الآن ؟ ** العلاقة المغربية الأسبانية الآن متميزة للغاية. وكل العمليات التي نفذت مؤخرا لمواجهة الخطر الإرهابي سواء في إسبانيا أو المغرب، تمت بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية في البلدين وبمشاركة رجال الشرطة من الجانبين. العلاقة بين الأجهزة القضائية في الجانبين متميزة أيضا وتسير وفق نسق إيجابي. قبل شهرين أو ثلاثة كانت لي مباحثات مع حسن الداكي من الجانت المغربي، وفي نفس السياق شهدت مدينة قرطبة الإسبانية اجتماعا خاصا بالقضاء والنواب المتخصصين في قضايا الإرهاب جمع مسؤولين مغاربة وإسبان وفرنسيين وبلجيكيين. خلال هذا الاجتماع الأخير، تقاسمنا وجهة نظرنا حول الموضوع ورؤيتنا للمستجدات الحالية والإجراءات القضائية التي يجب وضعها للحد بنجاعة من الخطر الإرهابي الجهادي. المغرب وإسبانيا يقدمان نمودجا للتعاون الثنائي لباقي دول المنطقة. وهذا أمر ضروري، لأنه في حالة غيابه فإن الباب سيترك على مصراعيه للحركات الإرهابية لتضرب مجددا هنا وهناك.