يضطر بعض الأشخاص لمواصلة العمل بعد التقاعد فيحرمون أنفسهم بالتالي من امتيازات هاته المرحلة، ويصبحون عرضة للعديد من المشاكل النفسية والصحية. في الحوار التالي يتطرق الأستاذ الخمار العلمي إلى الأسباب التي تدفع بهاته الفئة إلى مواصلة العمل بعد سن الستين وتأثير ذلك على حياتهم. ما هي الأسباب التي تقود بعض الأفراد إلى مواصلة العمل بعد سن التقاعد؟ قبل الحديث عن الأسباب التي تؤدي إلى مواصلة العمل بعد التمتع بالتقاعد، تجدر الإشارة إلى أن هناك فئتان من المتقاعدين، الفئة الأولى تعتبر التقاعد نهاية للعمل والقدرة على العطاء، بعضها يندمج في هذا المسار الجديد وبعضها يصاب بالإحباط. أما الفئة الثانية فهي التي لا تعتبر التقاعد نهاية للحياة المهنية بل بمثابة حالة استراحة من مزاولة مهنة ما لمدة طويلة، مما يدفع العديد منهم إلى التفكير في مزاولة مهن أخرى تكون غالبا منسجمة مع مواهبهم وميولاتهم وقناعاتهم وتدر عليهم دخلا. وفي الواقع يواصل بعض متقاعدي الوظيفة العمومية العمل في القطاع الخاص، أو يزاولون مهنا جديدة فيستمر من خلالها عطاؤهم، بحيث يستثمرون الكفاءات والمعارف والخبرات التي راكموها خلال مدة طويلة ويوظفونها في مجال عملهم في القطاع الخاص، فيطورون بالتالي أنفسهم ويحسنون في الوقت ذاته وضعهم المادي. يلاحظ أن بعض المتقاعدين يشعرون أن ما يتقاضونه من معاش بعد انتهاء مسيرتهم المهنية هزيل وضئيل للغاية، مما يدفعهم إلى البحث عن فرص عمل أخرى من أجل مواكبة حاجيات الحياة ومتطلباتها وسد النقص الذي أفرزه نظام التقاعد الذي يخضعون له. لكن هذه الظاهرة ليست عامة، فالكثير من الموظفين خاصة في القطاع العمومي مثل التعليم والصحة والداخلية وفي الجماعات المحلية يتقاضون ما يوازي أجرهم الكامل حين يتقاعدون بشكل طبيعي، خاصة بعد المراجعة التي تمت على مستوى أنظمة التقاعد مع حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. فهذه المبادرة منحت المتقاعدين حقوقا كانوا يفتقرون إليها في السابق، بحيث كانت نسبة التقاعد تحتسب على أساس الراتب الأساسي وليس على أساس الراتب الأساسي والتعويض، أما اليوم فيمكن لأي شخص متقاعد أن يحافظ على أجره الكامل تقريبا، ومن ثم فإن عمله في قطاع آخر يكون من أجل الاستمرار في العطاء وإثبات الذات والاعتراف وليشعر نفسه بأنه لا يزال كفئا وبأن الآخرين مازالوا في حاجة إليه. كيف ينعكس العمل في سن متقدمة على حياة هذه الفئة؟ حين يتقدم الإنسان في السن يصبح في حاجة ماسة إلى الراحة، ومن ثم فإن فكرة وفلسفة التقاعد تعني أنه عندما يصل الإنسان إلى سن الستين فما فوق أو الخمسة والستين فما فوق بالنسبة لأساتذة التعليم العالي والقضاة، ينبغي عليه أن يتقاعد كي يستريح ويتمتع بما تبقى له من العمر، ويكرسه للاهتمام بأبنائه ورعاية أحفاده أو من أجل السفر والانتاج الفكري والرمزي أو الاهتمام بالعمل الخيري والتضامني. وعندما يكون الإنسان مجبرا على العمل، فإن ذلك بكل تأكيد تكون له آثار جانبية وانعكاسات سلبية على سلامته وصحته وقدراته، لأنه في هذه المرحلة يصبح عرضة للعديد من الأمراض المرتبطة بمرحلة الشيخوخة، بالإضافة إلى حالات التوتر والاكتئاب التي يصاب بها الشخص نتيجة ممارسته لأعمال لم تعد لديه الرغبة في ممارستها، لكن الظروف تدفعه إلى ذلك. إذن فالحاجة إلى الراحة والاستجمام تصبح أساسية في هذه المرحلة العمرية، ولهذا تعتبر فلسفة التقاعد ومقاصده هي حماية هذه الفئة من الناس وتوفير رفاهتهم. ما هي الحلول التي من شأنها أن تضمن العيش الكريم للمتقاعدين وتمكنهم من الاستمتاع بامتيازات هذه المرحلة؟ إن الحلول الممكنة ذات مسلكين: الأول يتمثل في ضرورة أن يفكر الإنسان طيلة الفترة التي يمارس فيها مهنته في إيجاد بعض الوسائل المتاحة للحفاظ على حقوقه المادية مثل أنظمة التقاعد الإضافية، والتأمينات على الحياة والتأمينات الخاصة بالأطفال، والادخار في صناديق التوفير أو في الأبناك، بحيث يمكن للإنسان بمساهمة بسيطة أن يوفر دعامات تساعده على ضمان مردود إضافي بعد التقاعد من خلال هذه التعاقدات مع الأبناك والوكالات وشركات التأمين. أما بالنسبة للمسلك الثاني، فيجب أن تفكر الدولة في مراجعة نظام التقاعد لتتجاوز النسب الحالية وأن تفكر في تطوير مشاريع عصرية ومرنة لتنمية الرأسمال المرتبط بمدخرات التقاعد، كأن يتم إحداث إقامات صيفية في المناطق الجبلية والشاطئية، يستفيد منها المتقاعد بثمن تفضيلي. ولا بد أيضا من أن تفكر الدولة في تطوير أنظمة التقاعد واعتبارها مؤسسات اجتماعية للخدمة العمومية وجعلها أداة فعالة لتحقيق خدمات اجتماعية خاصة بالمتقاعدين، الذين سيكتفون برواتب التقاعد بعد أن يجدوا بالمقابل خدمات اجتماعية وطبية وخدمات أخرى يستفيد منها أبناؤهم، ويعيشوا بالتالي حياة كريمة تحترم فيها كرامتهم وحقوقهم وما قدموه من خدمات للوطن والمجتمع. حاورته شادية وغزو أستاذ التعليم العالي في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأساتذة