يوم السبت.. لبيت دعوة بعض الأصدقاء لمشاهدة الكلاسيكو رفقتهم في مدينة الرباط.. شاهدنا المباراة في حي أكدال الراقي.. ذلك كان عهدي به الى وقت قريب.. أقول هذا لأن ما رأيته تلك الليلة.. يشعرك أن هذا الحي الذى يفترض أن يكون أكثر الأماكن تأمينًا ورقيًّا وثقافة و مثالا للسلوك الحضاري لزواره و أوفيائه.. بدأ يسيطر عليه شعور بعدم الأمان.. بسبب جحافل من المراهقين يبدو جليا من منظرهم أنهم ليسو أبناء المكان.. مجموعات كبيرة من الشباب.. كل مجموعة تضم بين 8 و 14 فردا.. يجوبون أشهر شارع في الحي.. صعودا و نزولا.. جيئة و ذهابا.. و هم يصرخون بشكل هيستيسري كلما قام أحدهم بلمس جسد فتاة أو سيدة محاولا القبض على نهديها بكل وقاحة و سفالة و انحطاط.. أو مكررا تحرشه الجسدي في مناطق حساسة من جسمها.. و سط غياب كلي لرجال الأمن. نحن هنا بصدد جريمة تحرش جماعي بالفتيات والنساء في تلك الأمسية، و فداحة الجريمة، و هي جريمة التعرض للغير و انتهاك حرمة جسده و الاعتداء عليه، أنها تكررت عدة مرات، لأن تلك المجموعة من البهائم تعرف أن لا وجود لرجال أمن، و هذا يشجعها و يعطيها صفاقة منقطعة النظير و حرية للتصرف الوحشي في أجساد بنات الناس و المساس بعرضهم، و قد تكون بين الضحايا بنت رجل أمن أو أخته أو جارته أو زوجته، و لا تملك سوى الصراخ بعد تهديدها بكلمات نابية و خادشة للحياء و ملاحقتها مع العبث بجسمها و اسماعها إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، و بعد انتهاء عرض انتهاك الأعراض هذا الذي يجري في العاصمة الرباط، تسمع صراخ الانتصار و عويل الذئاب الذين نجحوا في فرض سلطتهم على الشارع في غياب ممثلي النظام، و ترى شارات النصر يرفعها من انتهك حرمة جسد بنت بلده كما لو أنه دحر عميلا للبوليساريو أو جاء لنا بميدالية ذهبية في أي مجال كان. هل يمكن الحديث عن تخاذل أمني ?.. لا أعرف.. لكني سأنقل ما سمعته من أحد المارة الذي قال بأنه لا يعقل أن يكون هذا الشارع – يقصد فال ولد عمير – خاليا من رجال الأمن في نهاية الأسبوع، يومي السبت و الأحد، خصوصا أنه معروف بتوافد عائلات البعثات الديبلوماسية التي تخرج لكي تتنزه في الرباط و تمر حتما عبر هذا الشارع، و الحقيقة أن فعل التحرش الجماعي كان منظرا مقززا، مقيتا، باعثا على الحسرة و مثيرا للغثيان، يعطيك شعورا بالاشتراك فى الممارسة، أو بالدعم، بصمتك وانسحابك و دخولك دائرة التواطؤ العام. كنت أتصور حجم القهر والإذلال والانتهاك الذى تتعرض له الفتاة وتعانيه المرأة بفعل هذا التخبط الاجتماعى و الإنسانى والعاطفى والأخلاقى الشامل، و أتذكر كيف كان «الزعيم» فينا، في العقد الماضي، هو من يقول لجميلة و قد مرت أمامه.. الزين مخطوب?.. راه بغيت نتوب.. رفعت التحدي و قلت في نفسي، سأحاول الوصول الى شعور فتاة كانت سعيدة بالخروج مع أمها، أو عائلتها، أو صديقاتها، فتحولت سعادتها، بفعل سلوك حيواني، الى صدمة و حزن و عقدة و ألم.. قبل الخروج، تلبس أحلى ما لديها، فلكسر الروتين اليومي، فسحة نهاية الأسبوع أصبحت ضرورة حياتية، تتجمل، تترك لشعرها حرية الحركة، أو تفرض على خصلاته خريطة المرور و التوقف، تقف أمام المرآة، نظرة أخيرة، تلمح السعادة بين الرموش، تسمع نداء الأم أو الأخت: يا الله !! واجدة !!.. ، أو تستقبل ميساجا أخيرا، راحنا تانتسناوك !!.. في غمرة هذه النشوة، و هي تخترق الشارع الممتد أمامها، و خصلات شعرها تحاول الهرب من النظام و اللحاق بنسمات الحرية ذلك المساء، اذ بيد تمتد الى أغلى ما تملك، جسدها و حرمته، هي لم تتكلم مع المعتدي و لم تأذن له بمساسها و لم توجه له دعوة لمخاطبتها، لكن مخه المريض، لا يستوعب هذه الأمور، عقله مغيب، و الحيوان الذي بداخله لم يردعه دين، و لم تهذبه أخلاق، و الخطير في الأمر، أن رجال الأمن الذين من المفترض أن يضعوا حدا لهمجيته و جرمه المشهود، غير موجودين.. تصرخ، لا من مجيب، تغضب، صوتها يعلو، في محاولة أخيرة يائسة لجلب الانتباه و طلب العون و انتظار النجدة، ترى أنها وحيدة وسط عشرة أفراد مسعورين، تواجه نظرات شرهة و أيادي شرسة، تقاوم بيديها و تضرب بحقيبتها، لكن الأيادي تستمر بالعبث في جسدها و سط صراخ النصر لشباب فخورين بدنائتهم، يغطي على صراخ فتاة هي ضحية لدونيتها، في نظر مجمع الذكور الهائج.. أخطر ما في هذه الحوادث التي ان لم يردعها الأمن سريعا، هو الشعور الذي تعطيه للمتحرشين المعتدين، شعور الحصانة، فتصبح معه مجموعات الشباب هاته أكثر عنفا، سيلمسون الجسد أول الأمر، ستطلب منهم الضحية الابتعاد، لن يسمعوا لطلبها فهم أقوى و أكثر عددا، ستطلب منهم الرحيل، لن يلقوا لندائها بالا، فهم في أمان، مسلحون بشفرات أو بسلاح أبيض أو أسود، الشارع لهم، يبثون فيه الرعب كيفما يشاؤون.. أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس، ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية للمرأة، هو جريمة لا غبار عليها، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل، أو الإكراه على فعل لا تريده الفتاة، و هنا مهمة الأمن في ردع الجرائم، خصوصا تلك التي تجري في الشارع العام، و تعطي للناس شعورا بعدم الأمان على أنفسهم، و على ذريتهم، و على حرمة أجسادهم، و تخرق حقا من حقوق الانسان، و هو حقه في الأمن، و في احترام حرمة جسده. مشكلة التحرش، أن خطورتها، لا تكمن فقط في حجمها، وطبيعتها، ومعدلات حدوثها، بل فيما تولده من مشكلات لاحقة، ذلك أن التبرير هو أن هذا الفعل معزول، و الحقيقة هي غير ذلك، و حتى لو كان الأمر كذلك، فهل ننتظر أن يحصل في المغرب ما حصل في مصر من شوهة عالمية حتى يتحرك الأمن للردع?. من المفيد التذكير أيضا بأن جريمة التحرش الجماعي، في جميع التجارب العالمية، هي مجرد خطوة أولى لانتشار جريمة أكثر خطورة، هي الاغتصاب، و الاغتصاب الجماعي، فانتشار التحرش الفردي أدى لظهور التحرش الجماعي، وكليهما يحركان جريمة الاغتصاب نحو الزيادة مستقبلا، و هو ما لا نتمنى حدوثه في بلدنا. قبل الختم، أريد أن أقص عليكم وجهة نظر ترددت كثيرا قبل أن أحسم و أقرر نقلها اليكم، و هي لمواطن خمسيني كان يتحدث لصديقه عن المصير الملائم لهؤلاء الحيوانات التي تجتمع في مجموعات لتعبث بحرمات و أعراض نساء المغرب. فقد قال، أن من يلمس جسدا لا يحق له بدون اذن من صاحبه، يتخلى تلقائيا عن حرمة جسده، و أعز ما يطلب، هو أن يكون مصيره السجن، و أن يجد من يعبث بمؤخرته و كامل جسده يوميا، و أن يصرخ و يتألم، دون أن يسمع له أحد صوتا.. للتأمل..