« المفسدين كاينين، والتوظيفات العائلية مغرقة المكتب». الكلام لعاملين بالمكتب الوطني للصيد، وهو كلام اتسع ليتحول إلى قلق ردت عليه إدارة المكتب بنشرة إخبارية تقول «الإدارة العامة تخبر أنها تتوصل برسائل مجهولة تهدف إلى الإساءة إلى متعاونيها ومسؤوليها». الصراع الدائر حاليا داخل المكتب الوطني للصيد بين مجموعة من الرافضين لطريقة تدبير المكتب والمطلعين على خباياه من جهة، والإدارة العامة من جهة أخرى، سيؤدي، حسب مصادر من داخل المكتب، إلى الكشف عن ملفات ظلت منسية، بحكم التعاطي الداخلي المحكم معها، أو بحكم التواطؤات والتفاهمات التي ظلت مستمرة داخل مجموعة من المكاتب الوطنية، مما جعلها «علبة سوداء لا يتم الاطلاع على أخبارها إلا حين تنشب الصراعات» بتعبير إطار نقابي غاضب. الإدارة العامة عممت نشرة إخبارية، وصف محتواها أحد المستخدمين قائلا «إنها تخبر فيها بمجموعة من المتناقضات»، فتارة تهاجم وسائل الإعلام وتتهمها بكونها تريد تشويه سمعة المكتب، وتارة أخرى تعترف بالاستماع لمجموعة من المسؤولين بالمكتب في إطار تحقيق قضائي مفتوح، بل وتخبر الإدارة العامة موظفيها بأنها ضحية لحملة من الرسائل المجهولة التي تتوصل بها الإدارة والتي تروم النيل من كرامة المسؤولين بالمكتب. هوس الإدارة بما يجري حاليا بالمكتب، يعود إلى تسرب مجموعة من الأخبار، حول لوائح توظيفات قام بها المسؤولون المتعاقبون، ألحقوا من خلالها سلالة عائلية بأكملها بقطاعات المكتب الوطني للصيد، وهو ما حرم مجموعة من أبناء الموظفين من الاستفادة من تعاقدات إلحاقهم بالمكتب الوطني. وكشفت لوائح التوظيفات العائلية بالمكتب الوطني للصيد عن وجود أبناء وأقارب مسؤولين كبار مارسوا مهامهم بمناطق مختلفة، منهم من وظف ما لا يقل عن ستة أشخاص من بينهم إخوته و آخر توظيف له كان سنة 2010، مما يفسر استمرار نفس السياسة بالرغم من ادعاءات المسؤولين بانتهاء عهد التوظيفات الزبونية بالمكتب. اللائحة تكشف كيف عمل أحد المناديب الذي مارس مهامه بالمنطقة الجنوبية وترك ديونا على المؤسسة، سبق للعاملين أن احتجوا عليها، (عمل) على توظيف مجموعة من أفراد عائلته منهم اثنين من إخوته، كما سبق لمسؤول بالموارد البشرية أن وظف ثلاثة من أبنائه داخل المكتب، وهو ما جعل العاملين يصفون المكتب ب «المحميات العائلية». المساهمون في هذه التوظيفات، لا يرتبطون بالمسؤولية الإدارية فقط، بل ساهم فيها واستفاد منها نقابيون متواطئون في سياسة التوظيف الزبوني، من خلال استفادتهم من توظيفات لأبنائهم، وهي عملية، وصفها مسؤول سابق بكونها الوصفة التي عمد إليها المسؤولون بإدارة المكتب طيلة سنوات لتوريط الجميع في العملية لفرض صمت مشترك عليها. التوظيفات العائلية حولت عمل المستفيدين منها، حسب مصادرنا، إلى عرقلة حقيقية بالنسبة للمكتب، حيث تحول جزء كبير منهم إلى موظفين أشباح، منهم من لم يلتحق بالعمل منذ سنوات، أو يتم اللجوء إلى الحضور المتقطع، لا يستغرق سوى لحظات، مما جعل الشعور باللامسؤولية يسود بين عدد من العاملين بالمكتب، الذين يئسوا من عدم تحمل الإدارة العامة لمسؤوليتها في محاربة هذا الوضع. الإدارة من جانبها، تعتبر أن سلوك موظفيها ومسؤوليها يتسم باحترام أخلاقيات المسؤولية، واحترام القانون، ونفت وجود أي اعتقال من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وقالت إن «التحقيقات لا تعني الإدانة». اتهامات العاملين بالمكتب الوطني للصيد بوجود فساد، وإصرار الإدارة على تنزيه مسؤوليها، يجعلان من التحقيق الذي تباشره الفرقة الوطنية للشرطة القضائية فرصة لتوضيح ما تعرفه هذه المؤسسة التي تدير قطاعا حيويا من صراعات، من خلال كشف الحقيقة. فهل ستكون كاملة هذه المرة؟ عبد الكبير اخشيشن