خيم الظلام على مدرج الشريف الادريسي بكلية الأداب بالرباط، ساد الصمت، تعلقت عيون الحاضرين بشاشة كبرى تعرض شريطا وثائقيا حول السوسيولوجي محمد جسوس. جسوس كان حاضرا أيضا بين أيدي كل من جاء في حفل تأبينه، عبر كتيب يتضمن مساره العلمي وشهادات بلسان طلبته/الأساتذة وأصدقائه. عشر مداخلات عبر كلمات قصيرة مليئة بمشاعر الحب والاحترام تجاه رجل بقبعتين كما قال عنه السوسيولوجي ادريس بنسعيد: قبعة العالم وقبعة السياسي. أغلب الذين حضروا أول أمس الثلاثاء لتأبين الراحل سحمد جسوس كانوا من بين طلبته أو أصدقائه أو زملائه في الجامعة بالاضافة إلى رفاقه في حزب الاتحاد الاشتراكي، دون أن ننسى أجيالا تتلمذت على يدي طلبته من الأساتذة الذين خلفوه في الجامعة. امتلأ مدرج الشريف الادريسي عن آخره وتابع آخرون ممن لم يستوعبهم المدرج أطوار التأبين مباشرة بمدرج ابن خلدون. بعد نهاية الشريط عادت الشهادات لتنير فضاء المدرج، فاستعرض أستاذ الفلسفة عبد الرزاق الدواي نضال جسوس في النقابة الوطنية للتعليم العالي منذ أول مؤتمر لها وكيف رافقه في التدريس وهو حديث العهد بالجامعة، دون أن ينسى لقاءه به صدفة بحي الرياض قبل شهر على وفاته. وتحدث ادريس لشكر عن دور جسوس في الحفاظ على صلة الوصل بين المناضلين خلال سنوات الرصاص، ورفع عبد القادر باينة ثلاث خصال ميزته طوال حياته كونه مثقفا متميزا ومفكرا ممارسا وسياسيا زاهدا. واستحضرت السوسيولوجية رحمة بورقية رسالة محمد جسوس إلى الأجيال المتضمنة في سيرته العلمية، وعلاقته بطلابه الذين كان يقول عنهم «عندما أحاضر أكون في حاجة إلى النظر في عيون طلبتي». بجسوس جمعتها علاقة «قرابة التعليم والمعرفة»، على حد قولها وهي القرابة التي استطاعت من خلالها أن تكتشف كيف كان يتعايش مع القلق الذي لازمه باستمرار والذي يبعده عن اليقينيات المتحجرة. حياة جسوس منذ التحاقه بالمسيد وإلى أن تخرج من جامعة برنستون الأمريكية تناول محطاتها ادريس بنسعيد مؤكدا أنه لا يمكن اختزالها في كلمات أو لحظات. محمد شقرون وعمر بنعياشي والمختار الهراس تحدثوا عن جسوس بصفته الأستاذ الذي أشرف على محطات مختلفة من دراستهم، فكان كما قال الهراس حريصا على أن «يغرس فينا البحث الميداني إذ لم يكن يتصور علم الاجتماع بدون الاشتغال في الميدان.. وفيا لرسالته الجامعية رغم الظروف الصعبة»، وحتى بعد أن أصبحت أستاذا مساعدا، يقول الهراس «لم يتركني أتخبط وحدي في إعداد المحاضرات والاشراف على البحوث، فقد ابتكر بيداغوجيا جديدة في إعداد الدروس من خلال تنظيم جلسات تحضير جماعية». لكن بعد السوسيولوجيا والسياسة كيف كان يعيش سمحمد الأب؟ في لحظات مليئة بأحاسيس اختلط فيها الحزن بالفرح أجاب فؤاد جسوس ابن الراحل على هذا السؤال. تحدث فؤاد بلغة دارجة عن «البابا» مستهلا حديثه بقوله: «حنا كانعرفو بابا نتوما كاتعرفو سحمد جسوس.. كنعقلو على الطلبة منين كيجيو للدار في الصباح في العشية وسط السيمانا في الويكاند، كل يوم كان هناك مجال للتحليل والنقاش.. كل نهار كان بابا كيقرا وكيكتب .. الأكثرية كان كيقرا داك الشي لي كيعطيوه الطلبة.. الكلية هي دارو الثانية والطلبة هوما عائلتو...». محمد أبويهدة