تحت غطاء درء «العار» و«الفضيحة»، يتزايد خوفهم وقلقهم، قبل أن يٌفضلوا فضح تفاصيل جرائم اغتصاب أبطالها أجانب. هم عائلات ضحايا الاعتداءات الجنسية التي لا تراعي براءة الأجساد الغضة. اعتداءات تزج بأطفال في عالم المعاناة اليومية بين فضاءات المحاكم والبيوت والشارع. لتنتهي التجربة المريرة، بإدانة مغتصبين اقترفوا جرائم لا تغتفر، مخلفين جراحا لا تندمل في جسد الطفل الضحية وذاكرة أسرته الصغيرة.. ذات يوم، ولج الحي رجل أوروبي ببذلته الأنيقة، اكترى منزلا داخل الحي، وكان منفتحا على الكل، ويتميز بحسه التواصلي البسيط، لم يكن يثير الريبة بحركاته العفوية اتجاه الأطفال، الذين كان يجلب لهم الهدايا وعلب الشوكولاته، لكن بعد مرور سنتين على استقراره بالحي، تفجرت تفاصيل فضائح جنسية.. كان الأجنبي بطلها. هكذا بدأت قصة مغتصب فرنسي، سخر الأجسام الطفولية، لتكون محط أطماعه الجنسية البغيضة، قبل أن يختفي إلى وجهة مجهولة، تاركا وراءه عائلات تعيش ويلات الاغتصاب، الذي تعرض له أبناءها.. أم في الواجهة! تكشف صفحات المحاضر القضائية عن ملامح متباينة بين المتورطين في جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، ففي حالات كثيرة يقف بعض ضباط الشرطة القضائية على وقائع اعتداءات جنسية أبطالها غرباء حلوا بالمغرب تحت صفة سياح أجانب، لتحفر ذكريات اعتداءاتهم الوحشية عميقا في أذهان البعض، وذلك بسبب رابطة القرابة مع الطفل الضحية. تتداخل تفاصيل الحادثة التي تعود لشهور خلت في ذاكرة الأم، لتتذكر معها بعض الجزئيات المملة. خلال الحديث لاتكف عن مداعبة أزرار قميصها في توتر ملحوظ، ولاتمل من تكرار عبارة استهجان، «هذاك حيوان .. ماشي بنادم». بدأت مأساة الأسرة الصغيرة التي تقطن بحي سكني، يقع وسط مدينة الدارالبيضاء، مباشرة بعد قيام مالك العمارة، بتأجير الشقة المجاورة لمسكنهم، بصفة مؤقتة لسائح غربي. مرت أيام قليلة والجار المؤتمن يعيش حياة طبيعية، يتقمص دور الزائر المستكشف لروائع المعمار الكولونيالي، غير أن مستقبل الأيام حمل للأسرة البسيطة، تفاصيل حقيقة مرة، «كانت العمارة تأوي مفترسا جنسيا، اغتصب براءة طفلتي الصغيرة، وأحال حياتنا إلى يوميات حزن»، تحكي الأم بحسرة عن الطفلة البالغة من العمر عشر سنوات. وتستطرد الأم المكلومة في حكيها الحزين، بنبرة انفعالية، «كلشي يقدر يوقع ليه هاذ الشي، ولكن بقا فيا الحال، حيث القانون بعد المرات، كيكون عاجز باش ياخذ حق الضحايا. مشينا لبوليس قاليك راه خوا المغرب.. صافي هاذ شي لخسرو علينا». تواصلت الاعتداءات الجنسية على الطفلة الصغيرة، لعدة أيام، حسب رواية الأم الشابة، التي فطنت لسر الحالة النفسية المتردية التي لازمت الضحية الصغيرة، «استدرجتها في الكلام، واستغليت براءة كلماتها من أجل التعرف على سبب عزوفها عن اللعب مع صديقاتها وأرقها الدائم .. إلى أن أسرت لي بالخبر الكارثة». عاشت أسرة الطفلة، منذ ذلك الحين، مغامرة الاقتصاص من الجاني، الذي رحل، مخلفا وراءه، ذكريات حزينة عن جريمته البشعة. عاشا والدا الطفلة، صدمة قاسية، بعد الحادثة، وحاولا إصلاح ما أفسدته نزوة الأجنبي، وفشلت أولى محاولات إعادة تأهيل الضحية نفسيا، وبعد مرور شهور، استعادت الطفلة عافيتها الجسدية، لكنها لازالت لحد اليوم، تعيش وضعا نفسيا مضطربا، بسبب ملازمة الكوابيس لها خلال الليل. «راه عايشين في واحد الحالة.. الله اللي عالم بها.. جا تكرفس على بنتي وغبر بحالا عمرو ما دخل للمغرب»، تقول الأم بحرقة. وماذا بعد..؟ مأسي جديدة تأبى التوقف، تثير كالعادة استنكارا وسخطا كبيرا، أبطالها مسؤولون وصحفيين أجانب، انتفى عنهم الوازع الأخلاقي، وضحاياها عائلات اختارت لغة الكلام وكسر جدار الصمت، عكس أقرانهم القابعين في الظل بسبب الخوف من «العيب» و«الفضيحة». مأسي ينتشر صداها وتنتهي دون أن تخلف الصدى الحقيقي، لما تسببه من مشاكل اجتماعية، تٌكابدها عائلات قاصرين، سقطوا ضحايا السلوكات الجنسية الشاذة. حديث أولياء الضحايا أمام الملأ، يكشف أنه لم يتغير شيء، باستثناء إسقاط القناع عن الوجه البشع للخطر الذي يتهدد أطفال المغرب، خاصة عندما يتعلق الأمر بأطفال، قد يسقطون عرضة للاستغلال الجنسي من طرف الأجانب. داخل محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، تبادل الحاضرون عبارات الاستهجان والاستنكار وهم يتابعون، طفلة صغيرة، انخرطت في اللعب مع أحد الأطفال، دون أن تكترث لأعين الفضوليين التي تتفحصها، وتتعاطف معها بعد أن تعرضت للاستغلال الجنسي من طرف مقاول فرنسي. قضية الطفلة البريئة كشفت عن أكثر الوجوه بشاعة في استغلال الأطفال، حيث كانت الطفلة ضحية أمها، التي تشتغل كخادمة داخل إقامة الفرنسي. كانت تصطحبها معها خلال أيام السبت إلى شقة الفرنسي، الذي استغل ذات مرة، انصراف الأم لشراء بعض الحاجيات، ليقوم بتعريض الطفلة لممارساته الشاذة. بعد أن اكتشفت الأم الواقعة بالصدفة، حاولت فضح الأمر، لكن الفرنسي ساومها بالمال، غير أن إمتلاكها لجرأة التبليغ عن الواقعة أمام عناصر الشرطة، جعلها تسلك سبيل القانون، من أجل ضمان حق ابنتها، لكنها لم تنجح في مسعاها، بعد صعوبة إثبات الأمر، «مني وقعات الواقعة وانا عايشة في الجحيم.. بنتي تراجع مستواها الدراسي بزاف.. ولات غير ساهية.. الضعيف اليوم ماعندو حيلة»، تختتم والدة الضحية حديثها الحزين. محمد كريم كفال