في المثل الإغريقو – فرنسي : سنونو واحد لا يصنع الربيع، كذلك تونس واحدة لا تصنع الربيع العربي ولو أنها الخضراء، فمنها حقا اندلع الحريق في جسد الخضار البوعزيزي وأتى على تونس الخضراء ثم صار أشهر من نار على علم ليبيا الأخضر فأتى على كتاب القذافي الأخضر أيضا. ومن أرض الكنانة عبرت الشرارة البحر الأحمر سباحة حرة كما عبر موسى النبي طبعا وليس عمرو موسى متسللا مهرولا مطبعا مضبعا إلى إسرائيل. وهنالك على الضفة الأخرى أنهت صلاحية رئيس اليمن غير السعيد. وسمعنا آنذاك بن علي جلمود الصخر الذي حطه السيل من عل يقول: فهمتكم ! مستعيرا هذه الجملة من خطاب شارل دوغول يوم 04 جوان 1958 أمام ساكنة الجزائر العاصمة من حركيين وأوروبيين والقذافي يصيح : من أنتم ؟ غير أن صياحه كان بمثابة صفير الخائف ليلا، فجسد بذلك سيكولوجية المفزوع وكهلا متنفسا الصعداء يقول : هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، ومحاميا يردد: بن علي هرب ! وكأن صخرة انزاحت عن الصدور، غير أن جبلا نزل محلها للأسف، فمنذ هذا الحريق من الدرجة الثالثة وتلابيبنا في قبضة اللحي على اختلاف لونها وطولها .. الشيباء والمخضبة بالحناء والمشذبة والتي استفادت من العفو .. تطاير الزغب في كل مكان من الرئاسة إلى البرلمان مرورا بشاشات التلفزة والجمعيات. أصحاب اللحي ملؤوا الحقل السياسي كالفزاعات، وطردوا طائرات السياح من سمائنا ورؤوس الأموال الأجنبية قطعوها بالمقصلة من أسواقنا. في المغرب صوت الناس للإسلاميين، وباتوا يمنون النفس بالرخاء الذي حققه لتركيا حزب العدالة والتنمية الدوريجين قبل أن يكتشفوا أن حزب العدالة والتنمية المغربي أوردينير و هم يصحون على أزمة خانقة تمسك بخناقهم حتى استحق هذا الحزب أن نغير اسمه إلى حزب العدول عن التنمية. ألم يحرمنا بجرة قلم من ميزانية استثمار قدرها 15 مليارا ؟ و ما كل مرة تسلم الجرة يا بن كيران ! و حالما خرج شباب 20 فبراير مطالبين بالإصلاح جاء رد الملك سريعا بدستور منقح و غير ممنوح حمل بن كيران إلى السلطة فارشا له السجاد الأحمر، فرفض تطبيق مقتضياته لأنه دستور يقرن المسؤولية بالمحاسبة و هذه الأخيرة لا تروق لرئيس الحكومة ( الذيب حرام و مرقته حلال) متذرعا بعفاريت سيدنا سليمان. أتصور أن أرى يوما ما إخوان ابن كيران يجوبون الشوارع حاملين لافتات تقول : لا للأشباح و العفاريت .. تسقط الديناصورات و التماسيح ، و هنا أضرب له مثلا قوما أصابهم زلزال فخرجوا بلافتات مكتوب عليها : لا للزلزال . باراكا من البراكين. إنه المبني للمجهول الذي يطيل جلوس بن كيران فوق كرسي الرئاسة هو و حواريوه دون أن تكون لديهم ثقافة الاعتذار للشعب الذي يدفع من ضرائبه رواتبهم السمينة عن الزلات و الهفوات أو ما يسمى ب mea culpa. في مصر الشقيقة انقلبت البردعة على الشواري و ما يفكوها دراري. لقد برهنت الأيام على أن ما سمي بثورة آنذاك لم يكن سوى أنثى ثور هائج عاد و نطح كل ما اعترض سبيله لأنها جمهورية حبلى بالإيديولوجيات المتناطحة التي لم تستطع الجلوس إلى طاولة واحدة سواء كانت مستديرة أو مربعة حتى و تقديم مصلحة بلدها العليا على المصلحة الشخصية و الموضوعية على الذاتية. الأزمة إذن أزمة عقل مجتمعي أيها الإخوة، و لن تفلح الجمعيات التي تقود هذه الانتفاضات و لو اتخذت لنفسها كل أيام وشهور السنة، فلا جمعة الكرامة و لا جمعة الصمود و لا حتى جمعة سحيم و فوكو قادرة على تقليص الهوة بين الفرقاء. كان يجب على الإخوان المسلمين أن يتوافقوا مع خصومهم و يقدموا مرشحا يجمع عليه الأعداء قبل الأصدقاء يكون شخصية وطنية علمية لم يسبق أن تورطت في قضايا فساد. إن الإسلاميين لا حلفاء لهم في الأوساط المالية و الاقتصادية كما كان يجب على حزب العدالة و التنمية أن يبقى في المعارضة رغم (فوزه) المنقوص لأنه لم يحظ إلا بأصوات مليون ناخب من كتلة انتخابية تقدر بسبعة عشر مليون ناخب. و في تونس يحكم ائتلاف الترويكا بزعامة النهضة. الترويكا عربة روسية يجرها ثلاثة من الخيول. عربة البوعزيزي كان يجرها حمار واحد. الشاعر عبد الكريم الطبال يقول في قصيدة ما معناه : عربة تجري بنا إلى الوراء ووحده الحوذي يقول إنها تسير إلى الأمام .. فصدقوه. من نصدق إذن حية الهيدرا بعدة رؤوس كلما سقطت رأس نبتت مكانها سبع أخرى. يحدث هذا أيضا في وزارات عدة بالمغرب كالمالية و الخارجية فهما تسيران برأسين. أصابتنا ثالثة الأثافي منذ قدوم الأحزاب الإسلامية الثلاثة إلى السلطة في شمال إفريقيا فلم نر من وراء أسمائها الطوباوية : العدالة والتنمية، الحرية والعدالة والنهضة، إلا الظلم الاجتماعي والتخلف والقمع. صدق من قال : إذا أردت أن تعرف الحقيقة في العالم الثالث فاقلبها 180 درجة، أليس حي النهضة متقهقرا وحي الإنارة مظلما وحي التقدم متخلفا ؟.