نشأت حركة الإخوان المسلمين في مصر، سنة 1928، أي قبل تحرر مصر من الانتداب البريطاني، فهي حركة عتيدة في حسها الدعوي، ولم تنشغل في السياسة إلا بناء على اجتهاد فكري مثله كتاب معالم في الطريق لسيد قطب، الذي خلف إعدامه رجة قوية في المخيال الجماعي والعاطفي لهذه الحركة، التي منها خرجت كل حركات الإسلام السياسي وحتى الجماعات المسلحة، لكن الغريب فيها، وبحكم النجاحات الاقتصادية والتجارية التي حققها أتباعها، تعلمت كيف تواجه اقتصاديا وتخنق خصومها عندما تتمكن منهم، أما إن كانوا أقوياء اقتصاديا وتجاريا، فإنها تتحايل عليهم، بمبررات دينية، كأن تخضع لهم بعض تجارها، وتحرض عليهم فيما بعد أجنحة شبابها في التنظيمات الأخرى، سواء كانت علنية أو سرية، فبماذا نصف هذه الممارسات؟ ما هي الدوافع إليها؟، وما هي غاياتها السياسية والاقتصادية وحتى القارية والدولية؟؟ 1 – برغماتية المتدينين تدرك الحركة قيمة المال، وضروراته في السياسة والحياة، فهي لا تتعارض مبادئها مع التهرب الضريبي، لأنه يؤدي لحكم غير إسلامي، وبديله هو الزكاة، التي يستفيد منها التنظيم، ليخلق بها ثروة تحفز المتوسطين من التجار على أن يصيروا كبارا، والمعدمين إلى تجار، وبذلك تجتذب حركة الإخوان المسلمين لها، الأثرياء، التجار وأصحاب الصناعات والفقراء في الوقت نفسه، وتوحد بين مصالحهم، ليبدو ذلك وحدة إيمان في نظر من لم يعيشوا هذه التجربة من داخلها، والحقيقة أنها وحدة برغماتية، تحدت كل الحواجز، بل امتدت إلى صفوف النساء، بالزواج والتزويج، الفردي والتعددي، كل هذا احتسابا وإيمانا ظاهريا، لكنه في العمق نابع من تصورات برغماتية، محكومة تنظيميا، ومضبوطة احترازيا، بما يعرف بالتنظيمات الموازية، وامتداداتها في المجتمع المصري وغيره من المجتمعات العربية على الأقل، كل هذا انعكس على مستوى سياسة الجماعة، التي ابتدعت شكلا تنظيميا، متماهي مع التنظيم العام الإخواني، ويمكن أن يكون دراعا سياسيا انتخابيا، يتأهل به الدعوي الديني إلى رجل سياسة، ليدير المجتمع وفق آليات ديمقراطية مرفوضة سرا مدافع عنها علنا، إلى أن تتمكن الحركة من تحقيق ما يسمى إيديولوجيا بالهيمنة الفكرية والإخلاقية على المجتمع بغية تطويعه وخونجته . -2 انقلابية المتدينين حركة الإخوان المسلمين، لا تعارض الحكام إلا على أساس السماح لها بالتمكن، فكل نظام سياسي لا يعنيها فيه إلا الهامش المسموح لها بالاستحواذ عليه، لممارسة دعواتها والتصدي لمخالفيها السياسيين وكل الفعاليات السياسية التي تتصارع معها على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية وحتى الدينية إن وجدت، وبذلك فقد تهربت من السلطة في لحظات ما، قبل أن يعيد منظروها النظر في تاكتيكاتها القديمة، فقد عاينت وربما ساهمت كيفيات دعمها للانقلابات السياسية، خارج مصر كما حدث في السودان أيام جعفر النميري وضياء الحق بباكستان، ولم يكن لديها مانع من خلال المواقف السابقة من البحث عمن يدعمون مشروعها من داخل الجيش، وقد حاولت بمصر اختراق المؤسسات العسكرية، غير أن الجيش المصري، كانت له جولات مع حركة الإخوان بمصر، وخصوصا المخابرات العسكرية، التي كانت تتبع طموحات الإخوان، وخططهم، بل حتى لقاءاتهم بالقوى الدينية في العالمين العربي والإسلامي. 3مشروع الإخوان لم يقف عند حدود بناء الدولة الدينية الإسلامية في حدود مصر، بل ربط علاقات مع دول داعمة له ماليا، وسياسيا بشكل محتشم، ولم يظهر الدعم العلني. له، إلا بعد إقناع الولاياتالمتحدةالأمريكية بضرورة الرهان على ما عرف بالإسلام المعتدل، على شاكلة حزب العدالة والتنمية التركي، تفاديا للتطرف الديني الإسلامي، وربح حليف سني معادي لإيران وحركة حزب الله الشيعين، فظهرت التحالفات الدولية الداعمة للإخوان من السر إلى العلن، من طرف السعودية وقطر وبعض دول الخليج، وغيرها من الدول العربية، وقد شجع الربيع العربي على ذلك، فاكتملت الحلقة بعد فوز حركة النهضة بتونس، وفوز الإخوان المسلمون من خلال حزب العدالة والحرية، والمتحالفين معه، لكن يقظة الشارع المصري، والثقافة المصرية السياسية، أدركت خطأها الفادح عندما لم يتفق الثوار على مرشح واحد، فاضطر المصوتون اختيار مرسي وتفضيله على مرشح ما عرف بمرشح الفلول، وهنا كشفت حركة الإخوان عن وجهها السياسي في استغلال ما هو ديني لبسط سيطرتها على المؤسسات، وأهمها القضاء المصري، الذي لم يكن بعيدا عن إدراك مخططات الإخوان المسلمين، وهو الذي واكب قضائيا مشاريعهم وتحولات فكرهم منذ التأسيس. خلاصات لا ديمقراطية تشيد وتحترم بدون وجود فعلي لديمقراطيين، يحترمون حق الاختلاف، فالديمقراطية ليست مجرد تقنيات استشارية إنها مشروع ثقافي وفكري، لا يمكن استئمان حركة الإخوان المسلمين عليه ما دامت لم تتحول فكريا وثقافيا عن فكرة تأثيم الغير وتكفيره، واعتبار العدل لا يتحقق إلا بالاستبداد.