أكوام من الأتربة وزبال متناثرة وروائح كريهة وقنينات زجاجية وبلاستيكية متكسرة وأعشاب طفيلية وأشواك تغطي القبور وتغزو ممراتها. أغنام وأبقار ترعى هنا وهناك. متسكعون من مدمني المخدرات والكحول يملأون المكان. سور متآكل ومتهالك سهل التجاوز. تلكم هي مجموعة من المعطيات التي تبرز بشكل جلي حجم الإهمال والوضعية المتدهورة التي أضحت تلازم مقبرة مدينة أزمور، حيث لا يمكن لأي وافد أو زائر ساقته الأقدار إليها كرها أو طوعا إلا ويبكي حالها ويتأسف لما آلت إليه. تروي امرأة في عقدها الخامس تقيم خارج الوطن، أنها لم تزر قبر والدتها منذ عقد من الزمن، وهي تذرف دموعها من حرقة هول ما وجدت عليه قبر أمها. «لم أكن أتوقع أنني ساجد قبر «ميمتي لعزيزة» على هذه الحالة. لا ممرات بين قبور الموتى غير المشي على الأشواك والأعشاب المتنامية بجوار المقابر أو فوقها». سكتت لحظة ثم استدركت بسؤال فيه مرارة «ميمتي مغسامحنيش أومعاها الحق، راني دفنتها في زبالة»، ثم أطلقت تنهيدة قوية وأضافت «الترحم على عزيز أو قريب في هذه المقبرة ليس بالأمر الهين والوصول إلى المعني يشعرك بحالة من الغضب والضيق وبمشقة الأنفس عثرت على قبر أمي، حيث استعنت في ذلك بمجموعة من الأطفال الذين ساعدوني على نزع الأعشاب. خاتمة كلامها «الله يهدي هاذ الناس ردوا البال لهاذ الروضة راها هي دارنا الدايمة». لم يختلف حديث أحد الوجوه الملازمة لهذه المقبرة والمعروف داخل الأوساط المحلية باسم «فقيه الروضة»، حيث عبر عن استنكاره الشديد لما أسماه «استهتار» المجلس الجماعي والسلطات الوصية على المقابر، والمتمثل في عدم تدخلها لوضع حد لما يتعرض له الأموات كما الأحياء من ضرب لكرامتهم وإنسانيتهم بشكل يخالف تعاليم الدين الإسلامي، وما تفرضه خصوصية المكان من قدسية واحترام. مصادر من أبناء المدينة يقولون «انتظرنا من الجهات المسؤولة تفعيل توصيات صادرة عن يوم دراسي نظمته وزارة الداخلية بتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية صيف 2010، والرامية إلى تدبير هذا المرفق بشكل يعيد له الاعتبار بدءا بالتسييج وتعيين أعوان وحراس عليها فلا شئ من هذا تحقق، بل الوضع ازداد سوءا وتدهورا».