يعرف معجم المصطلحات السياسية في المشهد السياسي المغربي حركة دينامكية واسعة، تظهر فيه مصطلحات ومفاهيم جديدة، وتختفي فيه أخرى، في ظل معطيات و ظروف معينة، ترتبط أساسا بالانتماء الإيديولوجي والفكري للسياسيين.وتنتقل هذه المفاهيم لتحتل مواقع مهمة في المناولة الصحفية. ومن بين المصطلحات التي حظيت بتداول لافت للنظر وخصوصا في السنوات الأخيرة مصطلح: «الشَّعْبَويَّة». فماذا يقصد به؟ وما هي مختلف الدلالات المرتبطة به اشتقاقيا؟ ورد في لسان العرب لابن منظور :«الشَّعْبُ: الجمع والتفريق والإصلاح و الإفساد …شَعَبَهُ، يَشْعَبُه شَعْبًا فانْشَعَبَ ،فَشَعَّبَهُ فَتَشَعَّبَ …قال الأصمعي شعب الرجل أمره إذا شتته وفرقه. وفي حديث عائشة رضي الله عنها، ووصفت أباها رضي الله عنه يرأب شعبها؛ أي يجمع متفرق الأمة و كلمتها » . نستنتج مما سبق أن معنى الشعب ينصرف إلى تقابلين أساسيين وهما: -الجمع في مقابل التفريق. -الإصلاح في مقابل الإفساد. وعلى التقابل الأول سار معنى مادة [ شعب ] كما جاءت في القرآن الكريم فقد وردت المادة في مناسبات متعددة منها ما ورد في سورة الحجرات الآية 49 فنجدها في صيغة «شُعوبًا» على وزن «فُعولاً» وهي جمع شَعْب. وفسر الآية ابن عطية الأندلسي في المحرر الوجيز بقوله :«الشُّعوب جمع شَعْبٍ وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطا بنسب واحد ». كما ورد معنى التفريق والتجزيء في سورة المرسلات الآية 30 ؛ إذ ورد في المحرر الوجيز «عن عطاء: الظل الذي له ثلاث شُعَب هو دخان جهنم يروى أنه يعلو من ثلاثة مواضع …و الشُّعَبُ تفرق الجسم الواحد». إن السياق اللغوي للكلمة داخل المشهد الاجتماعي والسياسي المغربي يفرض الحديث عن الشَّعْب والمقصود طبعا هو الشَّعْبُ المغربيُّ دون غيره فتأخذ دلالة الجمع منحىً واضحا حيث تجمع فيه ما ينضوي تحته من مختلف التلوينات السياسية و العرقية والدينية واللغوية للمغاربة. أما دلالة التجزيء فهي في الحديث عن المغاربة دون غيرهم من الشعوب الأخرى، والانتماء للشعب المغربي يجعل كل من ينتمي لهذا الشعب متمتعا بصفة «الشَّعْبي» بإضافة ياء النسب المشددة إليه لكن هذا لا ينسجم وواقع الحال فبعد الاستقلال ظهر أن المجتمع المغربي يتسم بميسم التفاوت الطبقي ولما كانت الفئة الأكثر فقرا هي الغالبية المشكلة له، فقد انسلخت عن هذه الفئة الطبقات الغنية وتبرأت من صفة «الشعبي»؛ إذ أصبح هذا المصطلح يختص بالطبقات الأقل حظا في تسلق سُلَّم الترقي الاجتماعي. فأضحى صفة لصيقة بهذه الفئة بكل من وما ينتسب إليها من أشخاص وفنون و منشآت عمرانية واجتماعية ورياضية، وثقافية . هكذا ستأخذ دلالة التفريق منحى اجتماعيا آخر قوامه تصنيفي بامتياز؛ أي التفريق بين الفئات التي تطلق على نفسها: «البورجوازية» والطبقات التي يطلق عليها: «الطبقات الشعبية». ويظهر من هذا كيف أخذ مصطلح «الشعبي» أبعادا متباينة تجمع بين التقابلات المختلفة؛ الجمع في مقابل التفريق، والإصلاح المقترن بالجمع في مقابل الإفساد المقترن بالتفريق. ونجد سياق الإفساد حاضرا بقوة في تناولنا لصيغة الجمع من الشعب. فقد وردت الشعوب كما سبق في سورة المرسلات بتقديم الله سبحانه و تعالى للفظ «شعوبا» على لفظ «قبائل» ففسرها دعاة الإفساد من الشعوبيين في العصر العباسي الأول باختصاص«شعوبا» بالعجم و«قبائل» بالعرب، فكان في نظرهم تقديم «شعوبا» إشارة لتقديم وتفضيل العجم على العرب، والحال أن معيار الأفضلية في الإسلام قائم على التقوى والتقديم هنا لا يفيد ما ذهبوا إليه؛ ففي كثير من الآيات القرآنية لا يعني التقديم فيها أفضلية المُقَدم على المُؤَخر.ولكن يكون الترتيب لاعتبارات أخرى، ومثال ذلك الآية: 130 من سورة الأنعام، قدم فيها الجن على الإنس. أو الآية 88 من سورة الإسراء، قدم فيها الإنس على الجن. والشعوبية كما هو معروف نزعة حاولت النيل من العرب ومقوماتهم الحضارية والاجتماعية والعلمية بالتحقير والتبخيس. وفي مظهر اشتقاقي آخر من مادة [شعب]، سنجد صيغة «شَعبَوي» على وزن: «فَعلَوي» في هذه الصيغة سيتم الحفاظ على ياء النسب المشددة وسيضاف حرف الزيادة الواو وهي زيادة معجمية مخالفة لزيادة الواو الدالة على الجمع في:» شُعوب» هذه الزيادة المعجمية خلقت نوعا من الانزياح الدلالي يقول هاشم صالح :« وزن «فعلوي» و»فعلوية» يدخلان في الحاجة إلى توسيع الوعاء اللغوي فهما ضروريان من أجل الدقة في التمييز»، ويضيف: «فتستخدم إسلاموي كمقابل لإسلامي، وعلموي كمقابل لعلمي، وشعبوي كمقابل لشعبي». هكذا يتحدد الانتساب إلى الشعب بإضافة ياء النسبة المشددة فقط، وهو انتساب إيجابي لا يحمل بين طياته ما يمكن أن يمس سلبا بشخصية المنتسب، كما يمكنه من الاتصاف بهوية أو صفة معينه. أما إذا أضيفت واو الزيادة فإن الدلالة تنزاح إلى منحى سلبي قائم على استغلال ذلك الانتماء لمصالح ضيقه وشخصيه. لذلك نجد العديد من السياسيين يتنابزون بها؛ فيقذف بها بعضهم بعضا. [email protected]