أستاذ في علم الاجتماع يلجأ بعض الأزواج إلى التكفل بأحد أبناء أقاربهم، الأمر الذي يزيد في ترابط الأسرتين وتقاربهما في بادئ الأمر، لكن سرعان ما ينقلب الوضع عندما تطالب الأسرة الأصلية باسترجاع طفلها لكي يعيش في كنفها من جديد. في ما يلي يتطرق الأستاذ علي الشعباني إلى انعكاسات مطالبة الوالدين الحقيقين باستعادة طفلهما على العلاقة بين الأسرتين المنتميتين إلى نفس العائلة، وتأثير المشاكل والخلافات الناتجة عن ذلك على نفسية الطفل المتكفل به. في الماضي كان العديد من الأزواج خاصة الذين يحرمون من نعمة الإنجاب يلجؤون إلى تعويض ذلك الحرمان من خلال التكفل بأحد الأطفال إما عن طريق المستشفيات، أو من خلال بعض المؤسسات الخيرية التي تتولى رعاية الأطفال من الأيتام أو المتخلى عنهم. هناك أيضا من يتجه إلى فرد من عائلته ليطلب منه التكفل بأحد أطفاله، واتخاذه كابن له. وقد كان هذا الأمر في الغالب يمر في ظروف عادية دون أن تحدث أي مشاكل بين الأسرة التي تمنح طفلها والأسرة التي تتكفل به وتتولى رعايته إلى أن يكبر ويشتد عوده. لكننا في الآونة الأخيرة، بدأنا نلاحظ أن هناك بعض المشاكل المترتبة عن هاته المسألة، والتي بدأت تظهر على ساحة المجتمع، وأحيانا تتطور لتصل إلى ردهات المحاكم، وذلك عندما تتراجع الأسرة التي منحت طفلها أو طفلتها عن قرارها وتطالب باسترجاع ابنها من الأسرة التي تكفلت به طيلة سنوات. في هذه الحالة قد تحدث مشاكل كبيرة ليس فقط للأسرة التي تتكفل بهذا الطفل والوالدين البيولوجيين، بل إنها قد تنعكس في أحيان كثيرة بشكل سلبي على نفسية الطفل المتكفل به، وذلك لأنه سيصبح بمثابة شيء متنازع عليه. كل هاته المشاكل والصراعات حول الطفل المتكفل به تعصف بالعلاقات العائلية، التي تكون في بداية الأمر طيبة، وتتميز بالتقارب والترابط، وذلك من خلال الزيارات المتبادلة، ولكن عندما تنقلب الأمور وتعود الأسرة المانحة للمطالبة بابنها وتحاول استرجاعه لكي يعيش في كنفها من جديد، فسوف لن يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقة التي تصبح سيئة للغاية فحسب، بل قد تتطور الأمور إلى كراهية وإلى قطيعة نهائية بين الأسرتين، وقد تمس أيضا حتى بعض الأفراد الآخرين المنتمين إلى نفس العائلة، والذين كانوا بعيدين عن تلك العملية التي كانت تخص في السابق الوالدين الحقيقين للطفل والوالدين المتكفلين به. ويبقى الطفل المتكفل به الضحية الأولى، لأنه تم اقتلاعه أولا من أسرته الأصلية، ومن ثم غرسه في أسرة أخرى وبيئة مختلفة، ونحن نعرف بأن ذلك قد لا يكون دائما مناسبا حتى بالنسبة للنبات فكيف بالأحرى بالإنسان؟ وربما لا يشعر الشخص المتكفل به في مراحل طفولته الأولى بسلبيات هذا الأمر لأنه لا يكون واعيا بما يكفي، بحيث يتعلق فقط بمن يحسن إليه ويعطف عليه ومن يمنحه الهدايا. فالطفل في تلك المرحلة لا يعطي قيمة إلا لمثل تلك الأمور، ولذلك فهو يعتبر بأن الوالدين المتكفلين به هما والداه الحقيقيان، لذلك يوليهما القدر الأكبر من الحب والعطف خاصة إذا نشأ في بيئة سليمة، وكانت الأسرة التي تكفله توليه الحنان والاهتمام، وتتعامل معه بالأسلوب الذي يجعله ينشأ في ظروف صحية بعيدا عن المشاكل والعقد والصراعات النفسية، لكن ذلك لا يمنع الطفل المتكفل به من أن يتساءل في المستقبل عندما يكبر عن الأسباب التي دفعت بأسرته الحقيقية إلى منحه للأسرة الكفيلة، فيرفض الاقتناع بكل ما سيتم تقديمه له من مبررات، وذلك قد يجعله يتمرد على الأسرتين معا، وتتكون لديه حينها العديد من العقد التي ستنعكس سلبا على علاقته بمحيطه العائلي والاجتماعي