لا تبتعد محطة القطار بوشنتوف كثيرا عن حي آهل بالسكان وسط عمالة مقاطعات درب السلطان، ومع ذلك تخيم عليها أجواء مخيفة، خصوصا في ساعات الليل. ما إن تسدل أستار الليل بعد مغيب شمس كل يوم حتى يتحول محيط المحطة إلى مرتع لكائنات ليلية، تتخذ من الأحراش والنباتات البرية النابتة على جوانب الحيطان، ووسط المتلاشيات القديمة المهملة هناك، مكانا يأويها من برد هذه الأيام، القارس للغاية. في العادة، تنقطع الأرجل على حمل السكان إلى هذا الفضاء سوى للمضطرين من المسافرين أو ممن تحتم عليهم جغرافية المكان تجاوز سور السكة للمرور إلى مقاطنهم في الأحياء التي يفصل بينها وبين الشارع الكبير، خط السكة الحديدية. منظر المتشرد الذي انتشلت المصالح الأمنية التابعة لنفوذ منطقة درب السلطان أول أمس الأربعاء جثته، بعثت روحا استنكارية في نفوس كل من عاين حالته المتردية، وتحديدا فئة عريضة من الموظفين التي طالبت بحماية أكبر، ولم لا وضع كاميرات مراقبة لتحديد هوية كل المترددين على الفضاءات المحيطة بالمحطة، كإجراء وقائي قبل حدوث الكوارث لا قدر الله. «بين الفينة والأخرى تطالعنا وجوه غريبة وعناصر مريبة من المدمنين على الكحول والمتشردين واللصوص، والخوف لا يكون منصبا على ذواتنا فحسب، بل يمتد إلى إمكانية دخول هذه العناصر في مشاكل ومشاجرات فيما بينها قد تتحول إلى جرائم خطيرة أو قاتلة» يؤكد موظف للأحداث المغربية. كان لمنظر يديه المتخشبتين من البرد، ولآثار الدماء التي ظلت ملتصقة بأصابعه، أكيد جراء اندفاع أشواك الأغصان البرية التي تشبتث بها أثناء خروج الروح، الأثر البالغ في نفوس رجال الأمن والوقاية المدنية التي حلت بالمكان فور توصلهم بالأخبار عن اكتشاف جثته الهامدة. وطالبت مصادر من الجهازين بتأهيل منطقة محطة بوشنتوف للقطار، حتى يتعذر على المشردين الولوج إليها أو الاختباء فيها بتلك السهولة. سكان المنطقة ممن عاينوا تفاصيل هذا الانتشال عبروا بدورهم عن استعدادهم للتعاون في تلطيف الأجواء المحيطة بالقطار، لأن الفضاء المجاور لها غالبا ما شكل قواعد للصوص منظمين اعتدوا على العشرات منهم خلال السنوات الأخيرة.