أطفال يعانون في صمت من أمراض لا تزال مجهولة بالنسبة إلى الأطباء، ويحرمون من عيش حياة طبيعية والاستمتاع بطفولتهم، بينما ينحصر هم أسرهم في تأمين مصاريف أدوية باهظة الثمن للتخفيف من آلامهم. حالات كثيرة لم يتم اكتشاف إصابتها بأحد الأمراض النادرة إلا بعد معاناة طويلة في أجنحة العمليات الجراحية في المستشفيات المغربية، لتبدأ رحلة العلاج اللامنتهية التي تتكبد فيها بعض الأسر عناء تأمين الأدوية حتى وإن تطلب الأمر السفر خارج أرض الوطن، بينما تطرق أسر أخرى الباب الجمعيات المهتمة بدعم الأطفال الذين يعانون من الأمراض النادرة، في سبيل أن يتلقى أبناؤها العلاج، على أمل أن يسبق الوصول إلى الدواء الناجع الأجل المحتوم. عينان ذابلتان، ووجه شاحب نال منه التعب. هذا لسان حال الطفل سفيان ذي الخمس سنوات الذي قدم رفقة والدته إلى مقر جمعية هاجر لمساعدة الأطفال المصابين بضعف المناعة الأولي الذي يحتضنه مستشفى الأطفال التابع للمركز الاستشفائي ابن رشد، من أجل الاستفادة من الدعم الذي تقدمه الجمعية للأطفال الذين يعانون من هذا المرض الوراثي النادر. «ماراتون» بين المستشفيات والعيادات «لم تكن تظهر على ابني أية أعراض حين كان في الشهر الرابع من عمره، لكن سرعان ما بدأ يتعرض لنزيف دموي وتقيحات على مستوى الأذنين»، تقول والدة سفيان متحدثة بنبرة يعتصرها الألم والدموع تكاد تنهمر من عينيها وهي تستحضر تلك المحطات الأليمة من حياتها وحياة طفلها التي طبعتها المعاناة بسب المرض النادر الذي يعاني منه الأخير. كانت الأم في ذلك الوقت تكتفي باصطحاب طفلها لزيارة طبيب مختص في أمراض الأذن والحنجرة، اعتقادا منها بأن علاج طفلها من تلك الأعراض لن يكون بالأمر الصعب، لكنها سرعان ما ستدرك عكس ذلك. «بالرغم من الأدوية الكثيرة التي كان يصفها له الطبيب لم تتحسن حالته الصحية بل ازدادت سوءا» تؤكد الأم، فما إن أتم سفيان التسعة أشهر من عمره حتى أصيب بتورمات على مستوى اليدين والقدمين ومناطق أخرى من جسده، صار يستحيل بسببها على أي أحد حمله أو حتى لمسه لأنه كان يصرخ ويبكي من شدة الألم بمجرد أن يحتك جسده الصغير بجسم ما، قبل أن يفقد القدرة على المشي والحركة بمجرد أن يتم سنته الأولى. أدركت والدة سفيان خطورة الوضع الذي آل إليه الأخير، لتقرر نقله إلى مستشفى محمد السقاط، حيث سيمكث لمدة 12 يوما لتلقي العلاج دون أن يتم تشخيص المرض الذي يعاني منه أو تحديد طبيعته، إلى أن يطلب منها الطبيب المعالج بالمستشفى نقل سفيان إلى المركز الاستشفائي إبن رشد بالدار البيضاء من أجل تشخيص حالته. بعد إخضاع سفيان للعديد من التحاليل الطبية تبين أنه مصاب بضعف المناعة الأولي، لتنطلق رحلة العلاج اللامنتهية، التي ستتطلب من الأم التنقل باستمرار رفقة طفلها من مقر إقامتها إلى المستشفى في سبيل أن يحظى طفلها بالعلاج المناسب وهو الأمر الذي تتكبد من أجله مصاريف كبيرة تجد صعوبة في تأمينها نظرا للظروف المادية والاجتماعية المزرية التي تعيش تحت وطأتها، كما هو الشأن بالنسبة للحقن والأدوية باهظة الثمن التي يجب أن يتناولها سفيان مدى الحياة. «الحمدلله، بفضل العلاج ودعم جمعية هاجر تحسنت حالة إبني كثيرا عن السابق، يكفي أنه استعاد القدرة على المشي» تتحدث الأم بكثير من الرضا عن حالة طفلها، فبالرغم من «الماراتون» الذي تخوضه بين المستشفى والعيادات الطبية، لا تتذمر أو تتأفف، كما لا تدخر أي جهد أو مال من أجل رعاية سفيان. عزاؤها الوحيد أن حالة طفلها الصحية مستقرة وأنه التحق بروض للأطفال، حيث يتعلم أبجديات القراءة والكتابة شأنه شأن أقرانه من الأسوياء. تسافر إلى فرنسا لجلب الدواء لابنها يبدو عادل أوفر حظا من سفيان لأنه ينتمي إلى أسرة ميسورة، تحتكم على الإمكانيات المادية التي تجعلها في غنى عن طلب يد العون من الجمعيات القليلة التي تهتم بتقديم الدعم المادي والمعنوي للأطفال المصابين بأمراض نادرة، غير أن الحقيقة تحمل بين طياتها معاناة طويلة مع المرض امتدت تداعياتها إلى أسرة الطفل الذي أتم منذ أسبوعين عامه التاسع. «في الأشهر الأولى من ولادته بدأت بطنه في البروز بشكل غير طبيعي قبل أن يبرز ظهره وتصاب أضلعه بالاعوجاج» تتحدث والدة عادل بنبرة حزينة واصفة المعاناة النفسية التي عاشتها وهي تعاين على جسد طفلها أعراض المرض الذي عجز العديد من الأطباء الذين عرضته عليهم آنذاك عن تشخيصه. استمرت معاناة الأم لأزيد من سنتين خضع خلالهما عادل لعملية جراحية تهدف إلى القضاء على التورمات في منطقة البطن وتخليص الطفل من الألم، لكن نتائج تلك العملية كانت مخيبة لآمال الأسرة، التي وجدت نفسها مضطرة في نهاية المطاف للسفر إلى فرنسا بحثا عن علاج للمرض الذي لم يتم تشخيصه من طرف الأطباء الذين تولوا مهمة علاج عادل. كانت كلمة الحسم للتحاليل الطبية التي خضع لها عادل في الديار الفرنسية، وتبين من خلالها بأنه مصاب بمرض «هورلير» الذي ينتمي إلى أمراض وراثية يطلق عليها أمراض «الليزوزوم» التي تصيب خلايا الجسم فتجعلها عاجزة عن أداء عملها بعد تكديسها بالدهون وإغلاق الأوعية الدموية. كانت حالات الإغماء والاختناق وغيرها من الأعراض المرافقة للمرض أصعب من أن تتحملها الأم، التي تسلل اليأس إلى نفسها نتيجة المعاناة التي يعيشها طفلها إلى درجة جعلتها تمتنع عن الإنجاب، وتتخلى عن حلم الأمومة الذي يراود كل امرأة خوفا من أن تنجب طفلا ثانيا يحمل نفس المرض، خاصة بعد أن أدركت أن احتمالات إصابة المولود بأحد الأمراض الوراثية حاضرة بقوة في حالتها لكونها متزوجة من ابن عمها. «ابني يحتاج إلى تناول الأدوية مدى الحياة لكي لا تتدهور حالته الصحية ويصاب بالعجز التام» تقول والدة عادل، غير أن معظم الأدوية التي يحتاج إليها الابن مازالت غير متوفرة في الوقت الحالي ويصعب الحصول عليها في أرض الوطن، لذلك تتكبد الأسرة باستمرار عناء السفر إلى فرنسا من أجل جلب الدواء الباهظ الثمن وإخضاع عادل للفحوصات الدورية، في إصرار تام على إبعاد شبح الموت الذي يتبرص بطفلها. (الأسماء مستعارة) شادية وغزو