بقلم: رشيد عنتيد القراءة الأولية للتحول الأمريكي من الصحراء المغربية يدفع الكثيرين الى الى الغضب والتعبير عن الاندهاش و الصدمة وخيبة الأمل، و هي مشاعر معروفة عن الجالسين على الكراسي الوثيرة يشاهدون أخبار الجزيرة، لكت المتتبعين المهووسين بما بين السطور يعرفون أن العلاقات الدولية هي رقعة شطرنج كل تحول فيها هو قرار مدروس و مخطط له من بعيد، وله أسباب و مقدمات و نتائج.. الجميع لاحظ الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها الرئيس الأمريكي من طرف ملك المغرب، وهي إشارة قوية لابد أن المغرب أراد إرسالها الى من يعينه الأمر ، ربما استباقا للموقف الأمريكي الراهن..قبل شهرين تتبعنا العملية العسكرية الكبيرة التي قامت بها فرنسا في شمال مالي ، و هي عملية لم تكن لتمر بردا و سلاما على دولة كبيرة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية المكلفة دوليا منذ مدة باكتشاف مناطق الإرهاب و شن الحروب عليها. وإذا كان الإرهاب يشكل خطرا لا نقاش فيه على حقوق الإنسان وعلى الحياة و الحريات، فهو يبقى انشغالا داخليا للدول المعنية بهذا الداء العضال، و لا يشكل ذلك خطورة على أمريكا و غيرها الا لأنه يهدد الولائات القائمة و يهدد الوصول الى الثروات و يقوض طرق الملاحة و عبور الأشخاص و السلع،..من من هاته القراءة يمكن القول أن التحول الجديد اتجاه صحرائنا هو تحول موجه الى فرنسا أكثر منه الى المغرب.. الولاياتالمتحدة مرهقة استراتيجيا في آسيا و الشرق و الأوسط، و لاشك أن حاجة الاقتصاد الأمريكي إلى الانتعاش سيدفع الراسمين للسياسة الخارجية الأمريكية الى البحث عن منافذ و مناطق نفوذ جديدة ، و بناء تحالفات جديدة، خاصة و أن التحالفات القديمة باتت مهددة بالإنهيار ، و ما يسمى بالربيع العربي هو فقط بداية لمخطط متوسط المدى لإعادة الإنتشار و إعادة هيكلة للمشهد الدولي.. جولة كيري وزير الخارجية الأمريكي، الناشط سابقا في مؤسسة كينيدي المعادية للمغرب، هو أجندة معلنة منذ توليه الملتبس حقيبة الخارجية، و هي أجندة في طور التنفيذ الآن ملامحها جلية ظهرت في الصين عندما ذهبت أمريكا تتود للصين لعلها تساهم في تهدئة الطفل المشاغب رئيس كوريا الشمالية. أصبحت آسيا الآن منطقة ميؤوس منها استراتيجيا لأن الولاياة المتحدة متأكدة أن أي صراع في تلك المنطقة بامتدادها الشرق أوسطي الجديد ستكون تكلفته مرتفعة جدا و صدى التهدئة هناك لاشك سيوازيه تصعيد في مكان آخر.. المغرب بوضعيته السياسية الجديدة وحراكه النوعي أفلته من كماشة التهاوي، و هو إفلات ربما لم تكن يحبذه صناع القرار الدولي. المسؤول الأمريكي في المغرب صرح أن توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء لا يعني أنه تحول في الموقف الأمريكي و هو تصريح عاطفي موجه أساسا للمغاربة من أجل الإطمئنان، لكنه يعني في العمق أن الموقف الأمريكي هو موجه نحو فرنسا و ما نحن سوى قنطرة عبور ووسيلة لغاية لم تعد كامنة في نفس يعقوب… منذ زمان و السياسة الخارجية المغرب تتسم بالصبر و المهادنة و تبني خطاب دفاعي أكثر منه هجومي، و هي سياسة تجتر ورائها تبعات القبول بمخطط الإستفتاء على طاولة دولية خلقت لنا وضعية داخلية ملتبسة مهدت لوضع مخطط للحكم الذاتي ينطرج في إطار سياسة الجهوية المتقدمة المتبناة دستوريا.. المغرب أصبح قوي داخليا رغم كل شيء، و هي قناعة لازالت لم تتكرس على مستوى السياسة الخارجية التي أصبح لزاما عليها منذ الآن تدشين تحول جديد بناء على قراءة صارمة للمتغيرات الخارجية و نفس هجومي يذهب الى مناطق الضعف في الأداء الأمريكي، و بعبارة مباشرة بناء تحالفات موازية مع الصين و روسيا في نفس الوقت مع توطيد التحالف التاريخية..